في العقبى ، وللصيانة درجات من التحرّز عن المعلوم والمظنون والمشكوك والموهوم وما يقرب من حمى المضرّات حذرا من الوقوع فيها انقسمت التقوى إلى درجات كثيرة ، حتّى وصف المتّقون في خطبة نهج البلاغة (١) بصفات كثيرة ربّما يعزّ المتصف بها وجودا.
ولا يبعد أن يكون أوّل درجات التقوى في لسان الشرع هو اجتناب الكفر والكبائر ، والاصرار على الصغائر ، وآخره ما يتلو مرتبة المعصومين عليهمالسلام ، أو نفس مرتبتهم عليهمالسلام ، فانّهم أصل التقوى.
ثمّ لمّا كانوا عليهمالسلام أصول شجرة التقوى وحقيقة التقوى الظاهرة في العالم في صورة الانسان ، ومشتملين على جميع شؤون التقوى ، بحيث لا يخرج عن مقامهم شيء من شعب التقوى ، وكانوا هم الدعاة إلى التقوى ، كان التابع لهم المشايع لهم في ذلك ، المجيب لهذه الدعوة الّتي صدرت منهم عليهمالسلام متّقيا على حسب مشايعته ومتابعته واستجابته.
ولعلّه لذلك فسّر المتّقون بالشيعة في تلك الرواية خصوصا مع توصيفهم في تفسير الامام عليهالسلام بالتقويات الاربع ، المشعر بأنّها العلّة في كونهم المتّقين ، وجميع المراتب الاربع مندرجة تحت الجامع الّذي ذكرناه.
وأما ما ذكر في الفقرة الاولى من أخذ التقوى من تسليط السفه على أنفسهم فلعلّه بيان لوجه إدخال الاتيان بالواجبات في التقوى ، مع أنّ التقوى منحصر بالوقاية عمّا يضرّ ، فلا يشمل تحصيل ما ينبغي تحصيله من أخذ رفع مانعها ، الّذي هو السبب في تركها في التقوى ، فيلازم وجودها بعد انحصار السبب للترك في التسليط المذكور غالبا أو دائما ، وبيان لأنّ التقوى لا ينحصر بمقام العمل ، بل تقوى القلب عن تسلّط السفاهة عليه أيضا داخل في التقوى ، بل تقوى القلب هو
__________________
(١) إشارة إلى خطبة الهمام (ره) وغيرها من كلامه عليهالسلام.