الاصل في تقوى الجوارح ؛ إذ أعمال الجوارح تابعة لأحوال القلب ؛ قال سبحانه :
(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.)(١)
ثم إنّهم ذكروا (٢) في وجه اختصاص الهدى بالمتّقين مع أن المتقين مهتدون : إرادة الزيادة إلى ما هو ثابت فيهم ، أو تسميتهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى متّقين من باب مجاز المشارفة. ولم يقل للضالّين ، لأنّهم فريقان : فريق علم بقائهم على الضلالة ، وهم المطبوع على قلوبهم ، وفريق علم مصيرهم إلى الهدى ، فلو جيء بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصابرين إلى الهدى بعد الضلال ، فاختصر الكلام بإجرائه على الطريقة الّتي ذكرناه ، فقيل : هدى للمتّقين.
وهذا مبنيّ على كون الايصال إلى البغية معتبر [ا] في الهدى ، كما هو مذهب الموجّه. (٣)
وقيل : إنّ التخصيص لأنّهم المنتفعون به بالهداية ، فخصّوا بالذكر مدحا لهم ، ولكلّ وجه بحسب النظر الظاهري في تفسير اللّفظ.
ولعلّ الاولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الهداية الحاصلة من القرآن للمتقين عقيب تحصيل التقوى ، والسعي في تكميلها ، إذ هو مقتضى تعليق الحكم على الوصف المشعر بكونه علّة لذلك الحكم ، وسلامته عن جملة ممّا مرّ ونظائرها ، ولدلالة جعل الوصف متعلّقا للحكم على نفيه عند انتفائه على مذهب جماعة من الاصوليين وإشعاره به ، ودلالته عليه بمعونة الخصوصيّات كما هو المختار.
وحينئذ فالمناسب أن يكون هدايته الحقيقية الباطنيّة بقدر مراتب التقوي
__________________
(١) الحج / ٣٢.
(٢) الكشاف ، ج ١ ، ص ٢٠.
(٣) راجع الصافي ، ج ١ ، ص ٥٨ ؛ ومجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٦ ؛ وأنوار التنزيل ص ٨.