كنعان ، ومن ادعى الالهية (١) من ذوي الطغيان ، وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات ، ما خلقت أنت ولاهم لدار الفناء ، بل خلقهم لدار البقاء ، ولكنهم ينقلون من دار إلى دار ، ولا حاجة بربك إلى من يسومهم ويرعاهم ، لكنه أراد تشريفك عليهم ، وإبانتك بالفضل فيهم ، ولو شاء لهداهم.
قال : فمرضت قلوب القوم لمّا شاهدوا من ذلك مضافا إلى ما كان من مرض أجسامهم له ولعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال الله تعالى عند ذلك : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : قلوب هؤلاء المتمرّدين الشاكّين الناكثين [لمّا] اخذت عليهم من بيعة عليّ عليهالسلام (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بحيث تاهت له قلوبهم جزاء بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات.» (٢)
أقول :
لا يخفى أنهم كما اعتذروا بما اعتذروا ، كذلك يعتذر سائر المخادعين والمخالفين ظواهرهم لبواطنهم عند الله سبحانه وعند الامام إن كان حاضرا ، وعند خواص المؤمنين الذين اطلعوا على قبائح أعمالهم من طرف التوسم والباطن ، أو من جهة ظهور حالهم عندهم بالعلامات الظاهرية ، وكما أنّه يكرم عليهم فقبل ظواهرهم على ما سبق. كذلك يجري الحق عليهم بعض الاحكام الظاهرية في الدنيا ، ويعاملهم خواص المؤمنين معاملة من وافق باطنه ما أظهروه في الجملة ، ويقبلون معذرتهم صورة وتكرّما ، وكما أنهم أعطوا البيعة على أنفسهم ولم يوطنوا أنفسهم
__________________
(١) في المخطوطة : «الالهة».
(٢) تفسير الامام ـ عليهالسلام ـ ، ص ٤٣ و ٤٤ ؛ والبحار ، ج ٣٧ ، باب فى أخبار الغدير ، ص ١٤٤ ـ ١٤٧ ، ح ٣٦ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٦٠ و ٦١.