في الدين بالهوى والمقائيس ، والتفسير من تلقاء النفس وعن الرجال ، والخوض والمجادلة والتكلّم في القرآن بغير علم ، واتباع المتشابه ، وتظنى التأويل ، وانتزاع الآية الّذي يخرّبه أبعد من السماء ، والغفلة عن نزول أوّل الآية في شيء وآخرها في شيء. ومنه يظهر الجواب عن أكثر الاخبار المتقدّمة.
فان قلت : إن اقتصر في علم القرآن على القدر الّذي يفيده القواعد اللفظيّة بالشروط المتقدّمة من الفحص عن القرينة المنفصلة والدليل المعارض وغيره ، قلّ الانتفاع بالقرآن في استخراج العلوم والمعارف ، وبطل أكثر ما ذكره المفسّرون وقد امرنا بالتدبّر فيه واستنارته واستنصاحه ؛ مع أنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء وفيه ينابيع العلم وبحوره ، وهو بحر لا يدرك غوره إلى غير ذلك ممّا ورد في صفته.
قلت : ليس مدلول القرآن منحصرا في ذلك ، بل هو قطرة من ذلك البحر الزاخر ، ولكن لكلّ مرتبة منه أهل خاصّ به. فمن كان عالما بقواعد الالفاظ وما يتوقّف عليه إعمالها فقط ، كان شأنه مقصورا على ذلك من دون تعدّي إلى الاستمداد بشيء من الامور المشار إليها ، حتّى نكون ممّن نستدلّ به على ربّنا ، ونستنصحه على أنفسنا ، ونتّهم عليه آرائنا ، ونستغشّ فيه أهوائنا ، وآخذا للمعنى من القرآن وجاعلا له حجّة علينا ، لا ممّن يحمل القرآن على رأيه وهواه وتقليده ، ويجعل شيئا ممّا قدّمناه حجّة على القرآن ودليلا حاكما عليه. ولعلّك بالتأمّل فيما فصّلنا ترى انطباق كثير من أخبار الطرفين بعد ملاحظة مساقها وما توجّه الكلام في بيانه ، وبعد اتّفاق تلك القواعد والتجنّب عمّا أشرنا إليه يحصل له باستعمالها في القرآن والتدبّر فيه علوم كثيرة بقدر غوره فيه ، والاطلاع على دقائقه يزداد علومه ، وبضمّ بعضها إلى بعض يكثر العلوم ؛ فانّ العلوم إذا كثرت يمكن العالم من استخراج مجهولات كثيرة من ضمّ بعضها إلى بعض ، كما تبين في علم المنطق ،