وحدوثه وبقائه من دون تفرقة في نحو الافتقار. فأنتم الفقراء إلى الله بقول مطلق ، وبكل اعتبار وفي كل حال ، والله هو الغني الحميد (١).
وببالي أن في دعاء الحسين عليهالسلام في يوم عرفة :
«أنا الفقير في غناي ، فكيف لا أكون فقيرا في فقري»؟ (٢).
وأما الشبهة المذكورة ، فالجواب عنه ما ذكره بعضهم من أن المحال إيجاد الموجود بوجود سابق. وهو غير لازم ، واللازم إيجاد موجود بوجود هو أثر ذلك الايجاد ، وهو ليس بمحال.
وأمّا المقدور ، فان أريد به ما تعلّقت به القدرة فهو لا يكون إلا موجودا ، وإن أريد ما يصلح أن يتعلّق به القدرة يكون معدوما. وهو المعنيّ بقولهم : «إن الله قادر على جميع الممكنات ، وأن مقدوراته غير متناهية».
وهذا الكلام قريب من الصواب بعد إرادة الشأنيّة المقابلة للفعلية من صلوح التعلّق في كلامه ، فانّ الممكن لا ينعدم عنه صلوح التعلّق بعد وجوده ، بل هو بعد على ذلك الصلوح السابق ، وأنّما كمل صلوحه بالفعلية ما دام باقيا بابقاء الحق إياه ، وإقامته في الاعيان ، فاذا انسلخ عنه ذلك ارتفع الكمال والفعلية ، كيف وذلك الصلوح والقابليّة إنّما ثبت لذات الممكن من حيث ذاته ، لا بعلّة أخرى ، فكيف يزول عنه في حال الوجود الّذي هو وقت تقوّم الذات وتحققه؟
وقد تقرر في محلّه أن علّة الاحتياج إلى المؤثّر هو الامكان الذاتي ، الّذي لم يسلب عنه بالوجود ، بل هو موصوف بالامكان حال وجوده ، كما كان موصوفا حال حدوثه ، وباعتبار ما قبله. وحقيقة الامكان هو صلاحية الوجود ؛ لكن الممكن
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» (فاطر / ١٥).
(٢) راجع الاقبال وسائر كتب الادعية.