لا يصلح للكون بنفسه وبلا علّة ؛ إذ هو ظاهر الامتناع ، بل الذي يمكن أن يصير موجودا بايجاد قادر عليه ما دام هو موجدا له ، فكيف يخرج عن تحت القدرة حال تأثير ذلك القدرة فيه ، وخروجه عن حكم القدرة سبب امتناع وجوده؟
ومن هذا البيان ظهر بقاء عموم الآية في الممكن حال الوجود من حيث وجوده ومن حيث عدمه ، ومن حيث تقليبه وتصريفه في كلّ حيثية من حيثياته ، وكلّ شأن من شؤونه.
ثمّ إنّهم التزموا بعد عدم تخصيصهم الشيء بالموجود بأنّ الآية مخصّصة بالممكنات ، وأنّ المراد بالشيء ما سوى الواجب والممتنع ، وكذا مقدور قادر آخر على ما نسب إلى جمهور المعتزلة من إنكار كونه مقدورا للحق سبحانه ، وأنه يمتنع أن يكون مقدور واحد بين قادرين.
والتحقيق أنّه لم يرد على الآية تخصيص خارج أصلا ، وأنّه باق على مفاده الذي ينساق إلى الذهن منها مع قطع النظر عن الخارج ، لا أنّ العقل حكم بورود التخصيص عليه. وبيانه أن الشيء على ما صرحوا به هو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما تقدم ، واعترف جماعة منهم بذلك صريحا ، وهو الظاهر من ملاحظة العرف واللّغة أيضا ؛ لكن من البيّن أنه لو لم يفرض للشيء تميّز في حدّ نفسه في ذهن أو خارج أو في نفس الامر ، لم يصح أن يكون معلوما ولا مخبرا عنه ، ولا له مفهوم ولا معنى. فالشيئية فرع التميز والتحدد بحدوده ، بحيث يمتاز به عمّا عداه ولو بوجه من وجوهه واعتبار من اعتباراته ، حتّى يصحّ وقوع العلم والادراك به ، والخبر عليه ، ويكون متحصلا في مرتبة نفسه ، ومعنى مغائرا لسائر المعاني ، ومفهوما في مقابلة سائر المفاهيم. فلو لم يكن كذلك لما كان لادراجه تحت عنوان الشيء وجه أصلا ، ولا يصح أن يشار إليه ويحكم عليه بأنّه شيء ، ومندرج تحت الشيء أم لا.