في مثل ذلك ليس إلّا مرآتا لنفس الامر وحاكيا له ، ولذا يترتب عليه المحمولات ، ويحكم عليه بأحكام ، وتتصف تلك القضايا بالصدق والكذب ، فلا بدّ أن يكون لها خارج تطابقه أو لا تطابقه ، وليس في دائرة الوجود ؛ إذ الفرض عدمه ، فلا مناص من إثبات تميز للمعدومات حال عدمها في مرتبة أنفسها في ظلّ الموجودات ، حتّى يلاحظها الذهن ؛ ويحكم عليها العقل أحكامها التي تثبت لها بالقياس إلى الواقع ، لا ما يحمل عليها بلحاظ كونها موجودات في الذهن ، كالمحمولات المنطقية مثلا ، يتصور العقل عدم الشرط وعدم المعدّ وعدم المقتضي وعدم جزئه وعدم المانع وعدم ما يلازمه وعدم الضد لشيء من الاشياء ، ثمّ يحكم عليها بأحكام ، ويحكم بصدقها ، فيقال في الاعدام الاربعة الاول : إنها أسباب لانعدام الشيء ، وأنّه يصح في كلّ منها أن يقال عدم ذلك فانعدم الشيء ، ولا يصح العكس ، وأنّه مقدم على عدم الشيء مرتبة ، ومقارن له زمانا ، وأنّ الخامس شرط لوجود الممنوع ، والسادس مقارن وليس بشرط ، وعدم الضدّ مقدّمة لوجود الضدّ على القول به.
وهذه القضايا كلّها قضايا صحيحة عقليّة محكومة بأنها صادقة مطابقة للواقع ، ونقائض تلك القضايا كاذبة محكومة بأنّها مخالفة للواقع. وليس اتصافها بالصدق والكذب في الذهن من حيث هي ، مع قطع النظر عمّا سوى الذهن ؛ إذ ليس نظر العقل في تلك الاحكام والنسب إلا إلى الواقع ، وهو ظرف النسبة كما هو ظاهر بالرجوع إلى الوجدان ، ولو كان كذلك لم يتصف بالصدق والكذب أصلا ، فالوجدان الصحيح يحكم بأنّ تلك الاعدام متميزة مترتبة ، ومحدودة في ظلّ الموجود وبتبعيته ، وأنّ العقل يدركها ويدرك مراتبها وأحكامها بما أعطاه الحقّ من المرآتية وشأنيّة الاطلاع على الغيب ؛ فتلك المعدومات ثابتة في حدّ نفسها ، متقررة في مراتبها على حسب ما نبهنا عليه.
ولو ناقش مناقش في لفظ الثبوت والتقرر ، فلا يهمّنا المضائقة من التزام