توسّع في اللّفظ بعد وضوح المقصود. فاجعل المثال مرآتا لتصور تعيّن المعدومات وتميزها في حضرة العلم المحيط بكلّ شيء وإن كان الامر فيه على نحو أعلى من ذلك المثال ، ولا تبادر إلى إنكار ثبوت الاعيان الثابتة في ذلك العلم المنسوب إلى الحقّ.
وأمّا العلم الذاتي الّذي هو عين الذات المقدّسة ، فالكلام في فرض ثبوت للاعيان عنده ممّا لا ينبغي الخوض فيه لأمثالنا لبعد مقامه عن مقام العقل والنظر. فالاولى الاغماض عنه والاكتفاء بغيره.
ولعل إلى ذلك وقع نظر عقول جماعة من المتكلّمين ، الذين التزموا بثبوت المعدومات فجنحوا إلى الصواب ، لكن أخطأوا الطريق فوقعوا في المضيق حيث إنّ الظاهر أنّهم اعتقدوا ثبوتها في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن وجود موجود أصلا ، فتكون هي في ثبوتها مستغنية عن الحق سبحانه وعن كل موجود. وهذا عين الفساد ، بل شرك خفي عند العارف. كما أن المنكرين لثبوتها ، المساوقين بين ثبوت الشيء ووجوده لم يصيبوا من كل وجه وإن أصابوا من البعض. فنظر كل من الطائفتين مركب من صواب وخطاء لم يحط بتمام الامر على ما هو عليه ؛ كأكثر المسائل العقلية وجملة كثيرة من غيرها.
ومنها : قصر الشيئية على الموجود والتعميم لها ، وللمعدومات التي كنّا بصدد بيانها. فان الظاهر بملاحظة ما قدمنا أن الشيئية فرع التميز ، فما كان متميزا في ظرف ووعاء من الاوعية الثلاثة أعني : الذهن والخارج ونفس الامر ، الذي هو مقام تميز المعدومات الخارجية ، كان شيئا باعتباره ، ولمّا كان مرتبة نفس الامر شاملا للخارج والذهن ، بمعنى أن كل ما وجد فيهما فهو متعين في نفس الامر أيضا ، بل وجوده في كل منهما تابع لتعينه في نفس الامر ، كما يظهر مما تقدم كانت الشيئية مساوقة لتميز الشيء وتعينه في الواقع ، فما لم يكن متعينا