مرجعه إلى تحديد عالم الامكان ، وأنّه لا محلّ لتلك الصفات الامكانية فيما سوى الممكنات ، لا إلى تحديد الحقّ سبحانه عن أن يحدّ بالحدود التي نتعقلها. وعساك تقف على بيانه ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ولنذكر بعض كلمات أهل المعقول تأييدا لما ذكرناه.
قال بعض الافاضل : «المعدوم لا يخلو إمّا أن يكون بسيطا ، وإمّا أن يكون مركّبا. فان كان بسيطا مثل عدم ضدّ الله وعدم شريكه وعدم مثله وغير ذلك ، فذلك إنما يعقل لأجل تشبيهه بأمر موجود ؛ مثل أن يقال : ليس له تعالى شيء نسبته إليه نسبة السواد إلى البياض ولا له ما نسبته إليه نسبة المندرج مع آخر تحت نوع أو جنس ، فلو لا معرفة المضادّة أو المماثلة أو المجانسة بين أمور وجودية ، لا استحال الحكم بأن ليس لله تعالى ضدّ أو مماثل أو مجانس ، أو ما يجري مجريها من المحالات عليه.
وإن كان مركبا ؛ مثل : العلم بعدم اجتماع المتقابلين كالمتضادين ، فالعلم به إنما يتم بالعلم بأجزائه الوجودية ؛ مثل أن يعقل السواد والبياض ، ثمّ يعقل الاجتماع حيث يجوز ، ثمّ يقال : الاجتماع الذي هو أمر وجودي معقول غير حاصل بين السواد والبياض.
فالحاصل أنّ عدم البسائط إنما يعرف بالمقايسة إلى الامور الوجودية ، وعدم المركبات إنما يعرف بمعرفة بسائطها».
وقال صدر الحكماء : «واعلم أنّ العقل كما لا يقدر أن يتعقل حقيقة الواجب بالذات لغاية مجده وعلوه وشدة نوريته ووجوبه وفعليته وعدم تناهي عظمته وكبريائه ، كذلك لا يقدر على أن يتصور الممتنع بالذات بما هو ممتنع بالذات لغاية نقصه ومحوضة بطلانه ولا شيئيته. فكما لا ينال ذات القيوم الواجب بالذات لأنه محيط بكل شيء فلا يحاط للعقل ، فكذلك لا يدرك الممتنع بالذات