ليظهر لهم صدق الآتي بخارق العادة في دعواه النبوّة والمفروض خلافه.
والتحقيق في جوابه منع الملازمة :
أمّا أوّلاً : فلأنّ الوقوع الّذي ستعرف ثبوته في الجملة يدلّ على إمكانه ، فيكشف عن كون دعوى الملازمة واردة على سبيل المغالطة وإن لم يعرف أنّ جهة المغالطة أيّ شيء.
وأمّا ثانياً : فلأنّ إبطال المعاجز والإفحام للأنبياء يترتّب على وقوع السحر في الخارج لا على إمكانه ، والإمكان أعمّ من الوقوع ، فعلى القول بأنّه ممكن ولكنّه ليس بواقع لا يلزم الإبطال والإفحام ، لأنّ كلّ ما وقع من المتنبّئ من خوارق العادات لا يحتمل كونه سحراً على هذا القول.
ولو قيل : لا كلام على هذا القول في أنّ السحر يقع على وجه التخييل وتلبيس الأمر على الوهم ، فمن أين يميّز الناظر فيما أتى به المتنبّئ من خارق العادة ويعرف أنّه أمر واقعي وليس ممّا لا واقعيّة له بل هو مجرّد تخييل وتلبيس ، فإنّ كلّ خارق للعادة أتى به المتنبّئ يحتمل كونه من هذا القبيل.
قلنا : طريق معرفة ذلك هو الرجوع إلى العقل وإعماله وإزالة غطاء الشبهات عنه فإنّه الحجّة البالغة الّتي أعطاها الله سبحانه المكلّف ، وهو لمن يراجعه ويستعمله كما هو حقّه يميّز بين الحقّ والباطل ويرشد صاحبه إلى الحقّ ، كما يدلّ عليه رواية ابن السكّيت المرويّة عن العيون والعلل قال لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : لما ذا بعث الله موسى بن عمران عليهالسلام بيد البيضاء والعصا وآلة السحر ، وبعث عيسى عليهالسلام بالطبّ ، وبعث محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكلام والخطب؟ فقال له أبو الحسن عليهالسلام : «إنّ الله تبارك وتعالى لمّا بعث موسى عليهالسلام كان الأغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يمكن في وسع القوم مثله وبما أبطل به سحرهم وأثبت الحجّة عليهم ، وأنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى عليهالسلام في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتياج الناس إلى الطبّ فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجّة عليهم ، وأنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام ـ وأظنّه قال : والشعر ـ فأتاهم من كتاب الله عزوجل ومواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت الحجّة عليهم. فقال ابن السكّيت :