ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة ، وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبيّ عن الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله عزوجل وأمرهم أن يقفوا به على السحر ، وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا به الناس» وهذا كما يقال إنّ السمّ ما هو؟ وأنّ ما يدفع به غائلة السمّ ما هو؟ ثمّ يقال : للمتعلّم هذا السمّ من رأيته بسمّ فادفع غائلته بهذا ولا تقتل بالسمّ ... إلى أن قال : «وما يعلّمان من أحد ذلك السحر وإبطاله حتّى يقولا للمتعلّم إنّما نحن فتنة وامتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلّمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة ولا تسحروهم ، فلا تكفروا باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار ، ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنّك تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله فإنّ ذلك كفر ... إلى أن قال : فيتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم لأنّهم إذا تعلّموا ذلك السحر ليسحروا به ويضرّوا به فقد تعلّموا ما يضرّ بدينهم ولا ينفعهم» (١).
ومنها : رواية عليّ بن الجهم عن مولانا الرضا عليهالسلام في حديث قال : «وأمّا هاروت وماروت فكانا ملكين علّما الناس السحر ليحترزوا به سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم ، وما علّما أحداً من ذلك شيئاً حتّى قالا إنّما نحن فتنة فلا تكفر ، فكفر قوم باستعمالهم لمّا امروا بالاحتراز منه ، وجعلوا يفرّقون بما تعملوه بين المرء وزوجه قال الله تعالى : «وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ» (٢) (٣).
ومنها : ما تقدّم في رواية الاحتجاج في جواب مسائل الزنديق من قوله عليهالسلام حيث سأله عن الملكين هاروت وماروت وما يقول الناس إنّهما يعلّمان السحر : «إنّما هما موضع ابتلاء وموقف فتنة ، تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا ، ولو تعالج بكذا وكذا لصار كذا ، فيتعلّمون منهما يخرج عنهما فيقولان لهم إنّما نحن فتنة فلا تأخذوا عنّا ما يضرّكم ولا ينفعكم ...» (٤) الحديث.
ودلالات هذه الروايات وإن كانت واضحة ولا يتوجّه أنّ أقصى ما يثبت بها كون
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ١٤٧ / ٤ ، ب ٢٥ ما يكتسب به ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢٦٦ / ١.
(٢) البقرة : ١٠٢.
(٣) الوسائل ١٧ : ١٤٧ / ٥ ، ب ٢٥ ما يكتسب به ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٧١ / ٢.
(٤) الاحتجاج ٢ : ٨١.