لو بذل مالاً لمن يصلح أمره عند الأمير أو غيره ، أو لحاكم الجور لرفع ظلم ظالم عنه ، أو لرفع يد غاصبة عن عينه المغصوبة ، أو لاسترجاع حقّه أو استيفاء دينه وما أشبه. ولو اطلق الرشوة على نحو ذلك في بعض الأحيان كان مجازاً لصحّة سلب الاسم.
ولو سلّم دخوله في الاسم فلا ينبغي التأمّل في خروجه من الحكم أخذاً وإعطاءً فلا يحرم ، إمّا لعدم عموم في أدلّة تحريمها حيث يشمل المقام والإطلاق في مطلقات تلك الأدلّة منصرف إلى غير ما نحن فيه ، أو لورود التخصيص عليها من جهة الإجماع فتوى وعملاً ، وممّا ينهض للتخصيص ما في الصحيح «عن الرجل يرشو الرجل على أن يتحوّل من منزله ليسكنه ، قال : لا بأس» (١) بناءً على كون المراد من المنزل ما يكون من الأوقاف كالمدرسة والخان والرباط وما أشبه ذلك ، كما فهمه صاحب الوسائل وتبعه غير واحد من مشايخنا (٢). نعم لو كانت الغاية المقصودة من البذل محرّمة ـ كما لو أعطى حاكم الجور ليعينه على ظلمه ، أو يقرّه عليه أو على غصبه أو على خوضه في معصية أو لأن يضرب أحداً ظلماً أو يأخذ منه مالاً بغير حقّ ـ فالظاهر كونه من الرشوة المحرّمة ، لصدق الاسم عليه عرفاً. ولو سلّم صحّة سلبه فالظاهر كونه حراماً أيضاً ، لكونه من أكل المال بالباطل ، فيختصّ الحرمة حينئذٍ بالآخذ ، إلّا إذا صدق على فعل المعطي الإعانة على الإثم فيحرم عليه أيضاً ، ولكنّه غير مطّرد.
ثمّ إنّ قضيّة كون الرشوة في موضع تحريمها سحتاً عدم خروجها عن ملك المعطي بل بقاؤها في ملكه ، فيجب على الآخذ ردّها إليه إن كانت عينها باقية إجماعاً كما في المستند (٣) ولو تلفت في يده ولو من غير تفريط ففي الضمان كلام ، فمن مشايخنا (٤) من استشكله مع علم الدافع لأنّه سلّطه على إتلاف ماله فلا يستحقّ عليه عوضاً ، وفي المستند «يجب عليه ردّ عوضها مع تلفها وإن لم يكن التلف بتفريطه وجوباً فوريّاً على المصرّح به في كلام الأصحاب». وهذا منه يؤذن بالإجماع على ضمان العوض مثلاً أو قيمة ، ثمّ قال : «وهو فيما إذا كان بذلها من غير رضى الباذل وطيب نفسه ظاهر ، وأمّا لو بذلها بطيب نفسه سيّما إذا حكم له بالحقّ فإن ثبت الإجماع على ثبوت غرامتها
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٢٧٨ / ٢ ، ب ٨٥ أبواب ما يكتسب به.
(٢) كالنجفي في الجواهر ٢٢ : ١٤٨.
(٣) المستند ١٧ : ٧٤ ـ ٧٥.
(٤) الجواهر ٢٢ : ١٤٩.