على الدفع اختياراً. ومن ذلك ظهر أنّ الدفع إلى الجائر مع التمكّن من عدمه كما أنّه يحرم كذلك لا يجزئ ولا يوجب براءة الذمّة ، وإذا حرم دفعهما إلى الجائر مع التمكّن وجب دفعهما إلى من له الولاية الشرعيّة على المستحقّين وهو الفقيه الجامع للشرائط ، إذ لا ولاية لغيره عليهم في أزمنة الغيبة ، كيف وأنّ الأصل فيهما في أزمنة الحضور وجوب دفعهما إلى السلطان العادل مع الإمكان ، فتعيّن في أزمنة الغيبة دفعهما إلى نوّابه لعموم ولايتهم من مقتضى النيابة. ولذا ذكر المحقّق الكركي في الرسالة على ما حكي :
«فإن قلت : فهل يجوز أن يتولّى من له النيابة حال الغيبة ذلك أعني الفقيه الجامع للشرائط؟.
قلنا : لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحاً لكن من جوّز للفقهاء حال الغيبة تولّي استيفاء الحدود وغير ذلك من توابع منصب الإمامة ينبغي له تجويز ذلك بطريق أولى ، لا سيّما والمستحقّون لذلك موجودون في كلّ عصر ، ومن تأمّل في أقوال كبراء علمائنا الماضين ـ مثل علم الهدى ، وعلم المحقّقين نصير الملّة والدين ، وبحر العلوم جمال الدين العلّامة رحمهمالله وغيرهم ـ نظر متأمّل منصف لم يشكّ في أنّهم يسلكون هذا المسلك ، وما كانوا يودعون في كتبهم إلّا ما يعتقدون صحّته» (١) انتهى. هذا في الخراج والمقاسمة.
وأمّا الزكوات فالظاهر مع إمكان منعها عن الجائر عدم وجوب دفعها إلى الفقيه بل غايته كونه أفضل ، كما قرّر في باب الزكاة لجواز دفعها للمالك إلى المستحقّين ، ولعلّه إلى ذلك أو ما يقرب منه ينظر ما روي من أنّ عليّ بن يقطين قال له الإمام عليهالسلام : «إن كنت ولا بدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة ، وأنّه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم سرّاً» (٢) بناءً على أنّ المراد من أموال الشيعة المأمور باتّقائها زكاتهم ، فيكون المراد من ردّها عليهم سرّاً ردّها على مالكيها ليدفعوها بأنفسهم إلى مستحقّيها ، ويحتمل بعيداً أن يكون المراد من الردّ عليهم دفعها إلى مستحقّي الشيعة ، كأن يباشره ابن يقطين بإذن الإمام نيابةً عن المالكين المأخوذ منهم ظلماً. وأمّا احتمال أن يراد منها مع الزكوات
__________________
(١) رسائل المحقّق الكركي ١ : ٢٧٤.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٩٣ / ٨ ، ب ٤٦ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٣٥ / ٩٢٧.