وإيراد هذا الخلاف يؤذن بأن النون زائدة ، وأنه من «مسك» و «ضربت» مبني للمفعول و «الذّلة» قائم مقام الفاعل.
قوله : (وَباؤُ) ألف «باء بكذا» منقلبة عن واو ؛ لقولهم : «باء ـ يبوء» مثل : «قال ـ يقول» قال عليه الصّلاة والسّلام : «أبوء بنعمتك عليّ» (١) ، والمصدر : «البواء».
وباء معناه : رجع ؛ وأنشد بعضهم هذا : [الوافر]
٥٤٢ ـ فآبوا بالنّهاب وبالسّبايا |
|
وأبنا بالملوك مصفّدينا (٢) |
وهذا وهم ؛ لأن هذا البيت من مادة : «آب ـ يئوب» فمادته من همزة ، وواو ، وباء ، و «باء» مادته من باء ، وواو ، وهمزة ، وادعاء القلب يه بعيد ؛ لأنه لم يعهد تقدّم العين واللام معا على الفاء في مقلوب ، وهذا من ذاك.
والبواء : الرجوع بالقود ، وهم في هذا الأمر بواء ، أي : سواء ؛ قال : [الطويل]
٥٤٣ ـ ألا تنتهي عنّا [ملوك] وتتّقي |
|
محارمنا لا يبؤ الدّم بالدّم (٣) |
أي : لا يرجع الدم بالدم في القود.
وباء بكذا : أقرّ أيضا ، ومنه الحديث المتقدّم أي : أقرّ بها ، وألزمها نفسي ، وقال : [الكامل]
٥٤٤ ـ أنكرت باطلها وبؤت بحقّها |
|
.......... (٤) |
وقال الراغب : «أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان خلاف النّبوة الذي هو منافاة الأجزاء».
وقوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ) أي : حلّوا مبوأ ومعه غضب ، واستعمال «باء» تنبيه على أن
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٨٣٨ ، ٨٨) كتاب الدعوات باب ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى.
وابن ماجه في السنن (٢ / ١٢٧٤) كتاب الدعاء باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى حديث رقم (٣٨٧٢).
وأحمد في المسند (٤ / ١٢٢ ، ١٢٥) ، (٥ / ٣٥٦) ـ وابن حبان في الموارد حديث رقم (٢٣٥٣) ـ والبيهقي في الدلائل (٧ / ١٢٢) وذكره ابن حجر في فتح الباري ١١ / ٩٧ ، ٩٨.
والمنذري في الترغيب ١ / ٤٤٨ ـ والهيثمي في الزوائد ١٠ / ١٢٢ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٥٠١ ، ٣٥٩٦ ، ٣٥٩٨.
(٢) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم. ينظر شرح المعلقات للتبريزي (٤١٦) ، الشنقيطي : (١٠٥) ، القرطبي : (١ / ٢٩٢) ، المعلقات السبع للزوزني : (١٠٥) ، الدر المصون : (١ / ٢٤١).
(٣) تقدم برقم (٣٢٣).
(٤) صدر بيت للبيد وعجزه :
عندي ولم يفخر علي كرامها
ينظر ديوانه : (٣١٨) ، مفردات الراغب : (٧٠) ، اللسان (بوأ) ، الدر المصون : (١ / ٢٤٣).