وهذا جواب لاستفهامهم في المعنى ، كأنه قال لا أهزأ مستعيذا بالله من ذلك فإن الهازىء جاهل ، فلم يستعذ موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الشّيء الذي نسبوه إليه ، لكنه استعاذ من السّبب الموجب له ، كما يقول : أعوذ بالله من عدم العقل ؛ وغلبة الهوى ، والحاصل أنه أطلق اسم السّبب على المسبب مجازا.
ويحتمل أن يكون المراد (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) بما في الاستهزاء في أمر الدين من العقاب الشديد ، والوعيد العظيم ، فإني متى علمت ذلك امتنع إقدامي على الاستهزاء.
وقال بعضهم : إن نفس الهزوّ قد يسمى جهلا وجهالة ، فقد روي عن بعض أهل اللّغة أن الجهل ضدّ الحلم ، كما قال بعضهم : إنه ضدّ العلم.
قوله : (أَنْ أَكُونَ) أي من أن (١) أكون ، فيجيء فيه الخلاف المعروف.
و «من الجاهلين» خبرها ، وهو أبلغ من قولك : أن أكون جاهلا. فإن المعنى أن انتظم في سلك قوم اتصفوا بالجهل.
قوله : (قالُوا : ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ) ف «يبيّن» مجزوم على جواب الأمر كقوله : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا) [البقرة : ٦١].
قوله «ما هي» ، «ما» استفهامية في محلّ رفع بالابتداء ، تقديره : أي شيء هي؟ وما [الاستفهامية](٢) يطلب بها شرح الاسم تارة ، نحو : ما العنقاء؟ وماهية المسمى أخرى ، نحو : ما الحركة؟.
وقال السكاكي (٣) : «يسأل ب «ما» عن الجنس ، تقول : ما عندك؟ أي : أيّ أجناس الأشياء عندك؟ وجوابه «كتاب» ونحوه ، أو عن الوصف ، تقول : ما زيد؟ وجوابه : «كريم» ، وهذا هو المراد في الآية.
و «هي» ضمير مرفوع منفصل في محلّ رفع خبرا ل «ما» والجملة في محلّ نصب ب «يبيّن» ؛ لأنه معلّق عن الجملة بعده ، وجاز ذلك ؛ لأنه شبيه بأفعال القلوب.
قوله : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) لا «نافية» ، و «فارض» صفة ل «بقرة».
واعترض ب «لا» بين الصفة والموصوف ، نحو : «مررت برجل لا طويل ولا قصير».
وأجاز أبو البقاء : أن يكون خبر المبتدأ محذوف ، أي : لا هي فارض.
__________________
(١) في ب : بأن.
(٢) في أ : استفهامية.
(٣) يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب سراج الدين : عالم بالعربية والأدب مولده ووفاته بخوارزم من كتبه : «مفتاح العلوم» و «رسالة في علم المناظرة».
ينظر الأعلام : ٢٢٨ ، الجواهر المضية : ٢ / ٢٢٥ ، الشذرات : ٥ / ١٢٢.