[قوله] : (تُثِيرُ الْأَرْضَ) في هذه الجملة أقوال كثيرة :
أظهرها : أنها في محلّ نصب على الحال من الضمير المستكن في «ذلول» تقديره : لا تذلّ حال إثارتها.
وقال ابن عطية : وهي عند قوم جملة في موضع الصفة ل «بقرة» أي : لا ذلول مثيرة.
وقال أيضا : «ولا يجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال ؛ لأنها نكرة».
أما قوله : في موضع الصفة فإنه يلزم منه أن البقرة كانت مثيرة للأرض ، وهذا لم يقل به الجمهور ، بل قال به بعضهم ، وسيأتي إن شاء الله.
وأما قوله : لا يجوز أن تكون حالا يعني من «بقرة» ؛ لأنها نكرة.
فالجواب : أنّا لا نسلم أنها حال من «بقرة» ، بل من الضمير في «ذلول» كما تقدم ، أو تقول : بل هي حال من النكرة ؛ لأن النكرة قد وصفت وتخصصت بقوله : «لا ذلول» ، وإذا وصفت النكرة ساغ إتيان الحال منها اتفاقا.
وقيل : إنها مستأنفة ، [واستئنافها على وجهين :
أحدهما : أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي تثير.
والثاني : أنها مستأنفة] بنفسها من غير تقدير مبتدأ ، بل تكون جملة فعلية ابتدىء بها لمجرد الإخبار بذلك. وقد منع من القول باستئنافها جماعة منهم الأخفش عليّ بن سليمان ، وعلل ذلك بوجهين :
أحدهما : أن بعده : «ولا تسقي الحرث» فلو كان مستأنفا لما صحّ دخول «لا» بينه وبين «الواو».
والثّاني : أنها لو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذللتها ، والله ـ تعالى ـ نفى عنها ذلك بقوله : «لا ذلول» وهذا المعنى هو الذي منع أن يكون «تثير» صفة ل «بقرة» ؛ لأن اللازم مشترك ، ولذلك قال أبو البقاء : ويجوز على قول من أثبت هذا الوجه ـ [يعني : كونها تثير الأرض ولا تسقي ـ أن تكون «تثير» في موضع رفع صفة ل «بقرة».
وقد أجاب بعضهم عن الوجه الثاني] ، فإن إثارة الأرض عبارة عن مرحها ونشاطها ؛ كما قال امرؤ القيس : [الطويل]
٥٨٧ ـ يهيل ويذري تربه ويثيره |
|
إثارة نبّاث الهواجر مخمس (١) |
أي : تثير الأرض مرحا ونشاطا لا حرثا وعملا.
__________________
(١) ينظر ديوانه : (١٠٢) ، القرطبي : ١ / ٣٠٧ ، الدر المصون : ١ / ٢٥٩.