أراد بالالتفات الخروج من خطاب بني إسرائيل القدماء إلى خطاء الحاضرين في زمن النبيّ صلىاللهعليهوسلم [وقد قيل ذلك](١) ويؤيده قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ).
قيل : يعني بهم الذين أسلموا في زمانه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كعبد الله بن سلام وأضرابه ، فيكون التفاتا على القراءتين.
ثم قال ابن الخطيب : الآية تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون المراد من تقدم من بني إسرائيل ، لأنه ـ تعالى ـ قد ساق الكلام الأول في إظهار النعم بإقامة الحجج ثم بيّن بعد أنهم تولوا إلا قليلا ، فإنهم بقوا على ما دخلوا فيه ، فإنّ أول الكلام في المتقدمين ، فالظاهر يقتضي أن آخره فيهم ، إلا بدليل يوجب الانصراف عن الظاهر.
وثانيها : أنه خطاب للحاضرين في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم ، يعني : أعرضتم بعد ظهور المعجزات كإعراض أسلافكم ؛ لأنه خطاب مشافهة ، وهو بالحاضرين أليق.
وثالثها : أن يكون المراد بقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) من تقدم ؛ لأنه ـ تعالى ـ لما بين أنه ـ تعالى ـ أنعم عليهم بتلك النّعم ثم تولّوا عنها بعد ذلك كان ذلك دالّا على نهاية قبح أفعالهم ، ويكون قوله : وأنتم معرضون مختصّا بمن كان في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم أي : أنكم بمنزلة المتقدّمين الذين تولّوا بعد أخذ المواثيق ، فإنكم بعد اطّلاعكم على صدق دلائل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أعرضتم عنه ، فكنتم بهذا الإعراض بمثابة أولئك المتقدمين [الذين تولّوا بعد أخذ المواثيق بذلك الشّرك](٢) في ذلك التولي والله أعلم (٣).
و «قليلا» منصوب على الاستثناء ؛ لأنه من موجب.
وقال القرطبي : المستثنى عند سيبويه منصوب ؛ لأنه مشبه بالمفعول.
وقال محمد بن يزيد : هو المفعول حقيقة ؛ لأن معناه : استثنيت قليلا.
وروي عن أبي عمرو (٤) وغيره : «إلّا قليل» بالرفع ، وفيه ستّة أقوال :
أصحها : أن رفعه على الصفة بتأويل «إلّا» وما بعدها بمعنى «غير» ، وقد عقد سيبويه رحمهالله في كتابه لذلك بابا فقال : «هذا باب ما يكون فيه «إلّا» وما بعدها وصفا بمنزلة غير ومثل» وذكر من أمثله هذا الباب : «لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا» و (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢].
قال : [الطويل]
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) زاد بعده في أ : وجواب هذا يأتي آخر الآية عند جواب أبي البقاء.
(٤) انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٧٣ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٥٥ ، والدر المصون : ١ / ٢٨٠.