قال بعضهم : والدّليل على اعتبار هذا المعنى أنهم جمعوا «مريضا وميتا وهالكا» على «فعلى» فقالوا : «مرضى وموتى وهلكى» لما جمعها المعنى الذي في «قتلى وجرحى».
الثّاني : أنّ «أسارى» جمع «أسير» ، وقد وجدنا «فعيلا» يجمع على «فعالى» قالوأ : شيخ قديم ، وشيوخ قدامى. وفيه نظر ، فإن هذا شاذّ لا يقاس عليه.
الثالث : أنه جمع «أسير» أيضا ، وإنما ضموا الهمزة من «أسارى» وكان أصلها الفتح ك «نديم وندامى» كما ضمت الكاف والسين من «كسالى» و «سكارى» وكان الأصل فيهما الفتح نحو : «عطشان وعطاشى».
الرابع : أنه جمع «أسرى» الذي هو جمع «أسير» فيكون جمع الجمع.
وأما قراءة حمزة فواضحة ؛ لأن «فعلى» ينقاس في «فعيل» نحو : «جريح وجرحى» و «قتيل وقتلى» و «مريض ومرضى».
وأما «أسارى» بالفتح فقد تقدم أنها أصل أسارى بالضم عند بعضهم ، ولم يعرف أهل اللّغة فرقا بين «أسارى» و «أسرى» إلّا ما حكاه أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء ، فإنه قال : «ما كان في الوثاق فهم الأسارى ، وما كان في اليد ، فهم الأسرى» ونقل بعضهم عنه الفرق بمعنى آخر ، فقال : «ما جاء مستأسرا فهم الأسرى ، وما صار في أيديهم ، فهم الأسارى» ، وحكى النقّاش عن ثعلب ؛ أنه لما سمع هذا الفرق قال : «هذا كلام المجانين» ، وهي جرأة منه على أبي عمرو ، وحكي عن المبرّد أنه يقال : «أسير وأسراء» ك «شهيد وشهداء» و «الأسير» : مشتقّ من «الإسار» وهو القيد الذي يربط به من المحمل ، فسمي الأسير أسيرا ، وإن لم يربط ، والأسر : الخلق في قوله : (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) [الإنسان : ٢٨] وأسرة الرّجل : من يتقوّى بهم ، والأسر : احتباس البول ، ورجل مأسور : أصابه ذلك ؛ وقالت العرب : أسر قتبه: أي شدّه ؛ قال الأعشى : [المتقارب]
٦٣٦ ـ وقيّدني الشّعر في بيته |
|
كما قيّد الآسرات الحمارا (١) |
يريد : أنه بلغ في الشعر النّهاية ؛ حتى صار له كالبيت الذي لا يبرح عنه.
قوله : (تُفادُوهُمْ) قرأ نافع وعاصم (٢) والكسائي : «تفادوهم» ، وهو جواب الشرط ، فلذلك حذفت نون الرفع ، وقرأ الباقون : «تفدوهم» ، وهل القراءتان بمعنى واحد ، ويكون معنى «فاعل» مثل معنى «فعل» المجرد مثل : «عاقبت وسافرت» أو بينهما فرق؟ خلاف مشهور ، ثم اختلف الناس في ذلك الفرق ما هو؟
__________________
(١) ينظر ديوانه : (٨٩) ، اللسان (حمر) ، الدر المصون : (١ / ٢٨٦).
(٢) انظر الحجة للقراء السبعة : ٢ / ١٤٣ ، وحجة القراءات : ١٠٤ ، والعنوان : ٧٠ ، وإتحاف : ١ / ٤٠٢ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٤٥ ، وشرح شعلة : ٢٦٨ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٥٩.