الكاذب لا جرم لعنهم الله على كفرهم الحاصل بهذا القول.
وثالثها : أن قلوبهم لم تكن في أغطية ، بل كانوا عالمين بصحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] إلّا أنهم أنكروا تلك المعرفة وادّعوا أن قلوبهم غلف ، فكان كفرهم عنادا.
قوله : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ) «بل» : حرف إضراب ، والإضراب راجع إلى ما تضمّنه قولهم من أن قلوبهم غلف ، فردّ الله عليهم ذلك بأن سببه لعنهم بكفرهم السّابق ، والإضراب على قسمين : إبطال ، وانتقال.
فالأول ، نحو : «ما قام زيد بل عمرو» ، والانتقال كهذه الآية ، ولا تعطف «بل» إلا المفردات ، وتكون في الإيجاب والنفي والنهي ، ويزاد قبلها «لا» تأكيدا.
واللّعن : الطّرد والبعد ، ومنه : شأو لعين ، أي : بعيد ؛ قال الشّمّاخ : [الوافر]
٦٥٣ ـ ذعرت به القطا ونفيت عنه |
|
مقام الذّئب كالرّجل اللّعين (١) |
أي : الرجل البعيد ، وكان وجه الكلام أن يقول : «مقام الذّئب اللّعين كالرجل» والباء في «بكفرهم» للسبب ، وهي متعلّقة ب «لعنهم».
وقال الفارسي : النية به التقدم أي : وقالوا : قلوبنا غلف بسبب كفرهم ، فتكون الباء متعلقة ب «قالوا» ، وتكون «بل لعنهم» جملة معترضة ، وفيه بعد ، ويجوز أن تكون حالا من المفعول في «لعنهم» أي : لعنهم كافرين ، أي : ملتبسين بالكفر كقوله : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) [المائدة : ٦١].
قوله : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) في نصب «قليلا» ستة أوجه :
أحدها : أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : فإيمانا قليلا يؤمنون ؛ لأنهم كانوا يؤمنون بالله ، ويكفرون بالرسل.
الثاني : أنه حال من ضمير ذلك [المصدر](٢) المحذوف ، أي : فيؤمنونه أي : الإيمان في حال قلّته ، وقد تقدم أنه مذهب سيبويه ، وتقدّم تقريره.
الثالث : أنه صفة لزمان محذوف ، أي : فزمانا قليلا يؤمنون ، وهو كقوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) [آل عمران : ٧٢].
الرابع : أنه على إسقاط الخافض ، والأصل : فبقليل يؤمنون ، فلما حذف حرف الجرّ انتصب ، ويعزى لأبي عبيدة.
__________________
(١) ينظر ديوانه : ص ٣٢١ ، وجمهرة اللغة : ص ٩٤٩ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٣٤٧ ، وشرح المفصل : ٣ / ١٣ ، ولسان العرب (لعن) ، والمعاني الكبير : ١ / ١٩٤ ، والمنصف : ١ / ١٠٩ ، ومجالس ثعلب : ٢ / ٥٤٣ ، والمحتسب : ١ / ٣٢٧ ، والدر : ١ / ٢٩٦.
(٢) سقط في ب.