والثاني : وبه قال الكوفيون وأبو علي الفارسي وأبو البقاء ، أنها مصدرية بمنزلة «أن» الناصبة ، فلا يكون لها جواب ، [وينسبك] منها وما بعدها مصدر يكون مفعولا ل «يودّ» ، والتقدير : يود أحدهم تعميره ألف سنة.
واستدل أبو البقاء بأن الامتناعية معناها في الماضي ، وهذه يلزمها المستقبل ك «أن» وبأنّ «يودّ» يتعدى لمفعول ، وليس مما يعلق ، وبأن «أن» قد وقعت يعد «يود» في قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) [البقرة : ٢٦٦] وهو كثير ، [وجوابه في غير هذا الكتاب](١).
الثالث : وإليه نحا الزمخشري : أن يكون معناها التمني ، فلا تحتاج إلى جواب ؛ لأنها في قوة : «يا ليتني أعمّر» ، وتكون الجملة من «لو» وما في حيّزها في محلّ نصب مفعول به على طريق الحكاية ب «يود» ، إجراء له مجرى القول.
قال الزمخشري (٢) رحمهالله تعالى : فإن قلت : كيف اتّصل (لَوْ يُعَمَّرُ) ب (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ)؟
قلت : هي حكاية لودادتهم و «لو» في معنى التمنّي ، وكان القياس : «لو أعمّر» إلا أنه جرى على لفط العينية لقوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) ، كقولك : «حلف بالله ـ تعالى ـ ليفعلن» انتهى وقد تقدّم شرحه ، إلّا قوله وكان القياس لو أعمر ، يعني بذلك أنه كان من حقّه أن يأتي بالفعل مسندا للمتكلم وحده ، وإنما أجرى «يود» مجرى القول ؛ لأن «يود» فعل قلبي ، والقول ينشأ عن الأمور القلبية.
و «ألف سنة» منصوب على الظرف ب «يعمر» ، وهو متعد لمفعول واحد قد أقيم مقام الفاعل ، وفي «سنة» قولان :
أحدهما : أن أصلها : سنوة لقولهم : سنوات وسنيّة وسانيت.
والثاني : أنها من «سنهة» لقولهم : سنهات وسنيهة وسانهت ، واللّغتان ثابتتان عن العرب كما ذكرت لك.
قوله تعالى : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ) في هذا الضمير خمسة أقوال :
أحدها : أنه عائد على «أحد» وفيه حينئذ وجهان :
أحدهما : أنه اسم «ما» الحجازية ، و (بِمُزَحْزِحِهِ) خبر «ما» ، فهو محل نصب والباء زائدة.
و «أن يعمر» فاعل بقوله : «بمزحرحه» والتقدير : وما أحدهم مزحزحه تعميره.
الثاني من الوجهين في (هُوَ :) أن يكون مبتدأ ، و (بِمُزَحْزِحِهِ) خبره ، و «أن يعمر»
__________________
(١) في ب : موضع الرد عليه.
(٢) ينظر الكشاف : ١ / ١٦٨.