كذا : أمكنني منه ، وعلى الاختيار ، فعلته بإذنك : أي باختيارك ، وقول من قال بإذنه أي بتيسّره راجع إلى ذلك.
قال ابن الخطيب (١) : تفسير الإذن هنا بالأمر أي بأمر الله ، وهو أولى من تفسيره بالعلم لوجوه :
أولها : أنّ الإذن حقيقة في الأمر ، ومجاز في العلم ، واللّفظ واجب الحمل على حقيقته ما أمكن.
وثانيها : أن إنزاله كان من الواجبات ، والوجوب مستفاد من الأمر لا من العلم.
وثالثها : أن ذلك الإنزال إذا كان من أمر لازم كان أوكد في الحجة.
قوله تعالى : (مُصَدِّقاً) حال من الهاء في «نزّله» إن كان يعود الضمير على القرآن ، وإن عاد على جبريل ففيه احتمالان :
أحدهما : أن يكون من المجرور المحذوف لفهم المعنى ، والتقدير : فإن الله نزّل جبريل بالقرآن مصدقا.
الثاني : أن يكون من جبريل بمعنى مصدقا لما بين يديه من الرسل ، وهي حال مؤكدة ، والهاء في «بين يديه» يجوز أن تعود على «القرآن» أو على «جبريل».
وأكثر المفسرين على أن المراد ما قبله من كتب الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ لا يخصّ كتابا دون كتاب ، ومنهم من خصّه بالتوراة ، وزعم أنه إشارة إلى أن القرآن يوافق التوراة في الدلالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
فإن قيل : أليس أن شرائع القرآن مخالفة لشرائع سائر الكتب فلم صار مصدقا لها؟
فالجواب : أنها كلها متوافقة في الدلالة على التوحيد وأصول الدين.
قوله تعالى : (هُدىً وَبُشْرى) حالان معطوفان على الحال قبلهما ، فهما مصدران موضوعان موضع اسم الفاعل ، أو على المبالغة أو على حذف مضاف أي : ذا هدى و «بشرى» ألفها للتأنيث ، وجاء هذا التّرتيب اللفظي في هذه الأحوال مطابقا للترتيب الوجودي ، وذلك أنه نزل مصدّقا للكتب ؛ لأنها من ينبوع واحد ، وحصلت به الهداية بعد نزوله ، وهو بشرى لمن حصلت له به الهداية ، وخصّ المؤمنين ، لأنهم المنتفعون به دون غيرهم ، كقوله : بشرى للمتقين ، أو لأن البشرى لا تكون إلّا للمؤمنين ؛ لأن البشرى هي الخبر الدّال على الخير العظيم ، وهذا لا يحصل إلا للمؤمنين.
قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا :) الكلام في «من» كما تقدم ، إلّا أن الجواب هنا يجوز أن يكون (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ).
فإن قيل : وأين الرّابط؟ فالجواب من وجهين :
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ١٧٩.