ثبات حفظه في قلبه جاز أن يقال : نزله على قلبك ، وإن كان في الحقيقة نزل عليه لا على قلبه ، ولأنه أشرف الأعضاء.
قال عليه الصّلاة والسّلام : «ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه ، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب» (١)](٢) وأضافه إلى ضمير المخاطب دون ياء المتكلم ، وإن كان ظاهر الكلام يقتضي أن يكون «على قلبي» لأحد أمرين :
إما مراعاة لحال الأمر بالقول فتسرد لفظة بالخطاب كما هو نحو قولك : قل لقومك : لا يهينوك ، ولو قلت : لا تهينوني لجاز ، ومنه قول الفرزدق : [الطويل]
٦٨٤ ـ ألم تر أنّي يوم جوّ سويقة |
|
دعوت فنادتني هنيدة : ما ليا (٣) |
فأحرز المعنى ونكّب عن نداء هنيدة «ما لك»؟ ، وإما لأن ثمّ قولا آخر مضمرا بعد «قل» والتقدير ، قل يا محمد : قال الله «من كان عدوّا لجبريل فإنه نزله على قلبك» ، [وإليه نحا الزمخشري بقوله : جاءت على حكاية كلام الله ، قل : ما تكلمات به من قولي : من كان عدوّا لجبريل ، فإنه نزله على قلبك](٤) فعلى هذا الجملة الشرطية معمولة لذلك القول المضمر ، والقول المضمر معمول للفظ «قل» ، والظاهر ما تقدم من كون الجملة معمولة للفظ «قل» بالتأويل المذكور أولا ، ولا ينافيه قول الزمخشري ، فإنه قصد تفسير المعنى لا تفسير الإعراب. والضمير في «أنه» يحتمل معنيين :
الأول : فإن الله نزل جبريل على قلبك.
الثاني : فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك ، ودلت الآية على شرف جبريل ـ عليهالسلام ـ وذمّ معاديه قاله القرطبي رحمهالله تعالى.
قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) في محلّ نصب على الحال من فاعل : «نزله» إن قيل : إنه ضمير جبريل ، أو من مفعوله إن قيل : إن الضمير المرفوع في «نزل» يعود على الله ، والتقدير : فإنه نزل مأذونا له أو معه إذن الله ، والإذن في الأصل العلم بالشّيء ، والإيذان ، كالإعلام ، آذن به : علم به ، وآذنته بكذا : أعلمته به ، ثم يطلق على التمكين ، أذن في
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ١٥٣) كتاب الإيمان : باب فضل من استبرأ لدينه (٥٢) ومسلم (٣ / ١٢١٩ ـ ١٢٢٠) كتاب المساقاة : باب أخذ الحلال وترك الشبهات حديث (١٠٧ ـ ١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر ديوانه : ٦٥٣ ، الأغاني : ٢١ / ٢٧٥ ، الحماسة البصرية : ١ / ٢٥٦ ، والبحر : ١ / ٤٨٩ ، والدر المصون : ١ / ٣١٤ ، شواهد المغني : ٢ / ٨٣٣ ، والمنصف : ٣ / ١١٧ ، وجمهرة اللغة : ص ٨٥٣ ، ومغني اللبيب : ٢ / ٤١٤.
(٤) سقط في أ.