وقرىء (١) : «عاهدوا» فيكون «عهدا» مصدرا جاريا على صدره.
وقرىء أيضا (٢) : «عوهدوا» مبنيا للمفعول.
قال ابن الخطيب : المقصود من هذا الاستفهام ، الإنكار ، وإعظام ما يقدمون عليه ، ودلّ قوله : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا) على عهد بعد عهد نقضوه ونبذوه ، ويدل على أن ذلك كالعادة فيهم ، فكأنه ـ تعالى ـ أراد تسلية الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن كفرهم بما أنزل عليه من الآيات بأن ذلك ليس ببدع منهم ، بل هو سجيّتهم وعادتهم ، وعادة سلفهم على ما بيّنه فيما تقدم من نقضهم العهود والمواثيق حالا بعد حال ؛ لأن من يعتاد منه هذه الطريقة ، فلا يصعب على النفس مخالفته كصعوبة من لم تجر عادته بذلك. وفي العهد وجوه :
أحدها : أن الله ـ تعالى ـ لما أظهر الدّلائل الدّالة على نبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعلى صحّة شرعه كان ذلك كالعهد منه ـ سبحانه وتعالى ـ وقبولهم لتلك الدلائل كالمعاهدة منهم لله ـ سبحانه وتعالى ـ.
وثانيها : قولهم قبل مبعثه : لئن خرج النبي لنؤمنن به ، ولنخرجن المشركين من ديارهم [قال ابن عباس : لما ذكرهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما أخذ الله ـ تعالى ـ عليهم ، وعهد إليهم في محمّد أن يؤمنوا به قال مالك بن الصيف : والله ما عهد إلينا في محمد عهد فنزلت هذه.
قال القرطبي (٣) : ويقال فيه : «ابن الصّيف» ويقال : «ابن الضّيف»](٤).
وثالثها : أنهم كانوا يعاهدون الله كثيرا وينقضونه.
ورابعها : قال عطاء : إن اليهود كانوا قد عاهدوه على ألّا يعينوا عليه أحدا من الكافرين ، فنقضوا ذلك ، وأعانوا عليه قريشا يوم «الخندق» [ودليله قوله تعالى : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ)](٥) إنما قال : «نبذه فريق منهم» لأن في جملة من عاهد من آمن ، أو يجوز أن يؤمن ، فلما لم يكن ذلك صفة جميعهم خص الفريق بالذكر ، ثم لما كان يجوز أن يظن أن ذلك الفريق هم الأقلّون بين أنهم الأكثر فقال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وفيه قولان :
__________________
(١) انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٨٥ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٩٣ ، والدر المصون : ١ / ٣١٧.
(٢) قرأ بها الحسن وأبو رجاء.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٨٥ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٩٢ ، والدر المصون : ١ / ٣١٧ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٤١٠.
(٣) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ٢٨.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.