وذلك أن اليهود قالوا : إن الله أنزل جبريل ، وميكائيل بالسحر ، فنفى الله ذلك.
وفي الكلام تقديم وتأخير والتقدير : وما كفر سليمان](١) ، وما أنزل على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السّحر ببابل هاروت وماروت ، فهاروت وماروت بدل من الشّياطين في قوله : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) قال : وهذا أولى ولا يلتفت إلى سواه ، فالسحر استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ، وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء ، وخاصة في حالة طمثهن ؛ قال الله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : ٤].
فإن قيل : كيف يكون اثنان بدلا من الجميع والبدل إنما يكون على حد المبدل منه؟ فالجواب من وجوه ثلاثة :
الأول : أن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع ؛ كما قال تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [النساء : ١١].
الثاني : أنهما لما كانا الرأس في التعليم نصّ عليهما دون أتباعهما كقوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠].
الثالث : إنما خصّا بالذكر من بينهم لتمرّدهما ، كتخصيصه ـ تعالى ـ النخل [والرمان](٢) في قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن : ٦٨] فقد ينص على بعض أشخاص العموم إما لشرفه ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ) [آل عمران : ٦٨] وإما لطيبه كقوله : (فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وإما لأكثريته ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا» (٣) وإما لتمردهم كهذه الآية.
الرابع : أن محلّها الجر عطفا على (مُلْكِ سُلَيْمانَ) ، والتقدير : افتراء على ملك سليمان وافتراء على ما أنزل على الملكين ، وهو اختيار أبي مسلم.
وقال أبو البقاء : «تقديره» وعلى عهد الّذي أنزل.
واحتج أبو مسلم : بأن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزله هو الله تعالى ، وذلك غير
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) جاء هذا الحديث عن جماعة من الصحابة :
حديث أبي هريرة ولفظه : (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا).
أخرجه مسلم (٢ / ٦٤) وأبو عوانة (١ / ٣٩٥) والترمذي (١ / ٢٩٣) وأحمد (٢ / ٤١٢) وابن ماجه (٥٦٧).
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
حديث جابر ولفظه : (أعطيت خمسا .... وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا).
أخرجه البخاري (١ / ٩٣) والنسائي (١ / ٧٣) ، (٤ / ١٢٠) والدارمي (١ / ٣٢٢) والبيهقي (١ / ٢١٢).
حديث أبي ذر :
أخرجه الدارمي (٢ / ٢٢٤) وأحمد (٥ / ١٤٥ ، ١٤٨ ، ١٦١) وأبو داود (٤٨٩).