قوله : «ببابل» متعلق ب «أنزل» ، والباء بمعنى «في» أي : في «بابل». ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال من الملكين ، أو من الضمير في «أنزل» فيتعلق بمحذوف. ذكر هذين الوجهين أبو البقاء رحمهالله.
و «بابل» لا ينصرف للعجمة والعلمية ، فإنها اسم أرض ، وإن شئت للتأنيث والعلمية وسميت بذلك قيل : لتبلبل ألسنة الخلائق بها ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ أمر ريحا ، فحشرتهم بهذه الأرض ، فلم يدر أحد ما يقول الآخر ، ثم فرقتهم الريح في البلاد فتكلم كل واحد بلغة ، والبلبلة التفرقة.
وقيل : لما أهبط نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ نزل فبنى قرية ، وسماها «ثمانين» ، فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة.
وقيل : لتبلبل ألسنة الخلق عند سقوط صرح نمرود.
وهي بابل «العراق».
وقال ابن مسعود : «بابل» أرض «الكوفة».
وقيل : «جبل نهاوند» (١).
قوله : (هارُوتَ وَمارُوتَ) الجمهور على فتح تائها.
واختلف النحاة في إعرابها ، وذلك مبني على القراءتين في «الملكين» ، فمن فتح لام «الملكين» ، وهم الجمهور كان في هاروت وماروت أربعة أوجه :
أظهرها : أنها بدل من «الملكين» ، وجرّا بالفتحة لأنهما ينصرفان للعجمة والعلمية.
الثاني : أنهما عطف بيان لهما.
الثالث : أنهما بدل من «الناس» في قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) وهو بدل بعض من كل ، أو لأن أقل الجمع اثنان.
الرابع : أنهما بدل من «الشياطين» في قوله : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) في قراءة من نصب ، وتوجيه البدل كما تقدم.
وقيل : هاروت وماروت اسمان لقبيلتين من الجن ، فيكون بدل كل من كل ، والفتحة على هذين القولين للنصب.
وأما من قرأ برفع «الشياطين» (٢) ، فلا يكون «هاروت وماروت» بدلا منهم ، بل يكون منصوبا في هذا القول على الذم أي : أذم هاروت وماروت من بين الشياطين كلها ؛ كقوله: [الطويل]
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٤٣٦) عن السدّي.
(٢) وقد قرأ بالرفع الحسن ، والزهري.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٨٧ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٩٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٢١.