ثم استشكل الزمخشري ذلك فقال : فإن [قلت](١) كيف يضاف إلى «أحد» وهو مجرور؟ قلت : جعل الجار جزءا من المجرور.
قال أبو حيان : وهذا التخريج ليس يجوز ؛ لأن الفصل بين المتضايفين بالظّرف والمجرور من ضرائر الشعر ، وأقبح من ذلك ألا يكون ثم مضاف إليه ؛ لأنه مشغول بعامل جرّ ، فهو المؤثر فيه لا الإضافة.
وأما جعله حرف الجر جزءا من المجرور فليس بشيء ؛ لأن هذا مؤثر فيه ، وجزء الشيء لا يؤثر فيه.
وأجيب بأن الفصل من ضرائر الشعر فليس كما قال ، لأنه قد فصل بالمفعول به في قراءة (٢) ابن عامر ، فبالظرف وشبهه أولى ، وسيأتي تحقيق ذلك في الأنعام. وأما قوله : «لأن جزء الشيء لا يؤثر فيه.
فإنما ذلك في الجزء الحقيقي ، وهذا إنما قال : ننزله منزلة الجزء ، ويدلّ على ذلك قول [النحاة](٣) الفعل كالجزء من الفاعل ، ولذلك أنّث لتأنيثه ، ومع ذلك فهو مؤثّر فيه.
و «من» في «من أحد» زائدة لتأكيد الاستغراق كما تقدم في : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ).
وينبغي أن يجيء قول أبي البقاء : إن «أحدا» يجوز أن يكون بمعنى واحد ، والمعهود زيادة «من» في المفعول به المعمول لفعل منفي نحو : ما ضربت من أحد ، إلا أنه حملت الجملة الاسمية الدّاخل عليها حرف النفي على الفعليّة المنفية في ذلك ؛ لأن المعنى : وما يضرون من أحد ، إلا أنه عدل إلى هذه الجملة المصدرة بالمبتدأ المخبر عنه باسم الفاعل الدّال على الثبوت ، والاستقرار المزيد فيه باء الجر للتوكيد المراد الذي لم تفده الجملة الفعلية (٤).
قوله : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) هذا استثناء مفرّغ من الأحوال ، فهو في محل نصب على الحال ، فيتعلّق بمحذوف ، وفي صاحب هذه الحال أربعة أوجه :
أحدها : أنه الفاعل المستكن في «بضارين».
الثاني : أنه المفعول وهو «أحد» وجاءت الحال من النكرة ؛ لاعتمادها على النفي.
والثالث : أن الهاء في «به» أي بالسحر ، والتقدير : وما يضرون أحدا بالسحر إلا
__________________
(١) في أ : قيل.
(٢) يعني في قوله تعالى : «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ» الآية ١٣٧ من الأنعام.
قرأ ابن عامر : وكذلك زيّن ، قتل ، أولادهم شركائهم.
وقرأ الباقون كما هو مثبت. انظر حجة القراءات : ٢٧٣.
(٣) في ب : النحويين.
(٤) في أ : الاسمية.