في مدلوله ، ثم نعارض ما ذكرتموه ، [ويقال](١) : بل النسخ هو النقل والتحويل ، [ومنه نسخ الكتاب إلى كتاب آخر ، كأنه ينقله إليه ، أو ينقل حكايته](٢) كما قلنا في نسخ الكتاب والأرواح والقرون والمواريث ، فإنه تحويل من واحد إلى آخر.
وإذا كان كذلك فيكون حقيقة في النقل مجاز في الإبطال دفعا للاشتراك.
[وأجيب](٣) عن الأول من وجهين :
أحدهما : أنه لا يمتنع أن يكون الله ـ تعالى ـ هو الناسخ لذلك من حيث إنه فعل الشمس والريح المؤثرتين في تلك الإزالة ، ويكونان ناسخين لكونهما مختصين بذلك التأثير.
والثاني : أن أهل اللغة إنما أخطئوا في إضافة النسخ إلى الشمس والريح ، فهب أنه كذلك ، لكن تمسكنا بإطلاقهم لفظ النسخ على الإزالة لإسنادهم هذا الفعل إلى الريح والشمس.
وعن الثاني : أن النقل أخصّ من الإبطال ، لأنه حيث وجد النقل ، فقد عدمت صفة ، وحصل عقيبها صفة أخرى ، فإن مطلق العدم أهم من عدم يحصل عقيبه شيء آخر ، وإذا دار اللّفظ بين الخاص والعام كان جعله حقيقة في العام أولى. وقال آخر (٤) :
[والنسخ : الإزالة ، وهو في اللغة على ضربين :
ضرب فيه إزالة شيء وإقامة غيره مقامه نحو : نسخت الشمس الظل ، إذا أزالته وقامت مقامه.
والثاني : أن يزيله كما تزيل الريح الأثر](٥).
قوله : (مِنْ آيَةٍ) «من» للتبعيض ، فهي متعلقة بمحذوف ؛ لأنها صفة لاسم الشرط ، ويضعف جعلها حالا ، والمعنى : أي شيء ننسخ من الآيات ، ف «آية» مفرد وقع موقع الجمع ، وكذلك تخريج كل ما جاء من هذا التركيب : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) [فاطر : ٢] (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] ، وهذا المجرور هو المخصص والمبين لاسم الشرط ؛ وذلك أن فيه إبهاما من جهة عمومه ، ألا ترى أنك لو قلت : «من يكرم أكرم» (٦) تناول النساء والرجال. فإذا قلت : «من الرجال» بيّنت وخصّصت ما تناوله اسم الشرط.
وأجاز أبو البقاء ـ رحمهالله تعالى ـ فيها وجهين آخرين :
أحدهما : أنها في موضع نصب على التمييز ، والمميّز «ما» والتقدير : أيّ شيء
__________________
(١) في ب : ونقول.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : والجواب.
(٤) في ب : بعضهم.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : يكون.