في شرع موسى وعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ مع أنهما لم يدوما ، زال الوثوق عنه في كل الصور.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : ذكر اللفظ الدّال على الدوام ، ثم قرن به ما يدلّ على أنه سينسخه أو ما قرن به إلا أنه نصّ على ذلك ، إلا أنه لم ينقل إلينا في الجملة؟
قلت : هذا ضعيف لوجوه :
أحدها : أن التنصيص على اللفظ الدال على الدوام مع التنصيص على أنه لا يدوم جمع بين كلامين متناقضين.
وثانيها : على هذا التقدير قد بين الله ـ تعالى ـ أن شرعهما سيصير منسوخا ، فإذا نقل شرعه وجب أن ينقل هذه الكيفية أيضا ؛ لأنه لو جاز أن ينقل أصل الشرع بدون هذه الكيفية لجاز مثله في شرعنا أيضا ، وحينئذ لا يكون لنا طريق إلى القطع بأن شرعنا غير منسوخ ؛ لأن ذلك من الوقائع العظيمة التي تتوفّر فيها الدواعي على نقله ، وما كان كذلك وجب اشتهاره ، وبلوغه إلى حدّ التواتر ، وإلا فلعلّ القرآن عورض ، ولم تنقل معارضته ، ولعلّ محمدا صلىاللهعليهوسلم غير هذا الشرع عن هذا الوضع ، ولم ينقل ، [وإذا كان ذلك غير جائز وجب](١) أن تنقل هذه الكيفية على سبيل التواتر ، فنقول : لو أن الله ـ تعالى ـ نصّ في زمان موسى وعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ على أن شرعيهما سيصيران منسوخين لكان ذلك مشهورا لأهل التواتر ، وكان معلوما لهم بالضرورة ، ولو كان كذلك لاستحال منازعة الجمع العظيم فيه ، فحيث رأينا اليهود والنصارى مطبقين على إنكار ذلك علمنا أنه لم يوجد التنصيص على أن شرعيهما يصيران منسوخين.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : [إن الله ـ تعالى ـ نص على شرع موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقرن به ما يدل به على أنه منقطع غير دائم](٢).
فهذا باطل لما ثبت أنه لو كان كذلك لوجب أن يكون ذلك معلوما بالضرورة لأهل التواتر.
وأيضا فبتقدير صحته لا يكون ذلك نسخا ، بل يكون ذلك انتهاء للغاية.
وأما القسم الثالث : وهو أنه [ـ تعالى ـ نص على شرع موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولم يبيّن فيه كونه دائما ، أو كونه غير دائم](٣) فنقول : إنه ثبت في أصول الفقة أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار (٤) ، وإنما يفيد المرة الواحدة ، فإذا أتى المكلف بالمرة
__________________
(١) في ب : وإذا ثبت وجوب.
(٢) في أ : أنه نص على عدم الدوام.
(٣) في أ : لم ينص على الدوام ، ولا على عدم الدوام.
(٤) لا نزاع بين الأصوليّين ، والنّظّار ، ومن لفّ لفّهم في أنّ المرّة ضروريّة ؛ من حيث إنّ الماهيّة لا وجود لها في الخارج إلّا ضمن أفرادها ، لا من حيث إنّها مدلولة. ـ