أحدهما : أن هذا وإن كان بلفظ الأمر ، فمعناه الخبر نحو : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ) [مريم : ٧٥]. أي : فيمدّ ، وإذا كان معناه الخبر ، لم ينتصب في جوابه بالفاء إلا ضرورة ؛ كقوله : [الوافر]
٧٥٩ ـ سأترك منزلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا (١) |
وقول الآخر : [الطويل]
٧٦٠ ـ لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها |
|
ويأوي إليها المستجير فيعصما (٢) |
والثاني : أن من شرط النصب بالفاء في جواب الأمر أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو : «ائتني فأكرمك» تقديره : «إن أتيتني أكرمتك».
وها هنا لا يصح ذلك إذ يصير التقدير : إن تكن تكن ، فيتحد فعلا الشرط والجزاء معنى وفاعلا ، وقد علمت أنه لا بد من تغايرهما ، وإلا يلزم أن يكون الشيء شرطا لنفسه وهو محال ، قالوا : والمعاملة اللفظية ، واردة في كلامهم نحو : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) [إبراهيم : ٣١] (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) [الجاثية : ١٤].
وقال عمر بن أبي ربيعة : [الطويل]
٧٦١ ـ فقلت لجنّاد خذ السّيف واشتمل |
|
عليه برفق وارقب الشّمس تغرب |
وأسرج لي الدّهماء واذهب بممطري |
|
ولا يعلمن خلق من النّاس مذهبي (٣) |
فجعل «تغرب» جوابا ل «ارقب» وهو غير مترتّب عليه ، وكذلك لا يلزم من قوله أن يفعلوا ، وإنما ذلك مراعاة لجانب اللفظ.
أما ما ذكره في بيت عمر فصحيح.
وأما الآيات فلا نسلم أنّه غير مترتب عليه ؛ لأنه أراد بالعباد الخلّص ، وبذلك أضافهم إليه.
أو تقول : إن الجزم على حذف لام الأمر ، وسيأتي تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) البيت للمغيرة بن حبناء. ينظر الكتاب : ٣ / ٣٩ ، شرح المفصل : ١ / ٢٧٩ ، المحتسب : ١ / ١٩٧ ، الهمع : ١ / ٧٧ ، الخزانة : ٣ / ٦٠ ، الدرر : ١ / ٥١ ، المقتضب : ٢ / ٢٢ ، شرح الألفية لابن الناظم :
(٦٧٩) ، الدر المصون : ١ / ٣٥٤.
(٢) البيت لطرفة بن العبد ينظر ملحق ديوانه : ص ١٥٩ ، والرد على النحاة : ص ١٢٦ ، والكتاب : ٣ / ٤٠ ، وللأعشى في خزانة الأدب : ٨ / ٣٣٩ ، والخصائص : ١ / ٣٨٩ ، ولسان العرب (دلك) ، والمحتسب : ١ / ١٩٧ ، والجنى الداني : ص ١٢٣ ، ورصف المباني : ص ٢٢٦ ، ٣٧٩ ، والمقتضب : ٢ / ٢٤ ، والدر المصون : ١ / ٣٥٥.
(٣) ينظر ديوانه : (٤٢٦) ، الدر المصون : ١ / ٣٥٥.