وسيأتي أن أبا البقاء يمنع هذا ، والرد عليه.
الثّاني من الثلاثة الأوجه : أن تكون نكرة موصوفة ذكره أبو البقاء ، والحكم فيها ما تقدّم من كونها في محلّ نصب أو رفع.
الثالث : أن تكون شرطية ، ومحلّها الرفع على الابتداء فقط ، و «فأمتّعه» جواب الشرط.
ولا يجوز في «من» في جميع وجوهها أن تكون منصوبة على الاشتغال.
أما إذا كانت شرطا فظاهر لأن الشرطية إنما يفسر عاملها فعل الشرط لا الجزاء ، وفعل الشرط هنا غير ناصب لضميرها بل رافعه.
وأما إذا كانت موصولة فلأن الخبر الذي هو «فأمتعه» شبيه بالجزاء ، ولذلك دخلته الفاء ، فكما أن الجزاء لا يفسر عاملا فما أشبهه أولى بذلك ، وكذا إذا كانت موصوفة فإن الصفة لا تفسر.
وقال أبو البقاء (١) : لا يجوز أن تكون «من» مبتدأ ، و «فأمتعه» الخبر ؛ لأن «الذي» لا تدخل «الفاء» في خبرها إلا إذا كان الخبر مستحقّا بالصلة نحو : الذي يأتيني فله درهم ، والكفر لا يستحقّ به التمتع.
فإن جعلت الفاء زائدة على قول الأخفش جاز ، أو جعلت الخبر محذوفا ، و «فأمتعه» دليلا عليه جاز تقديره : ومن كفر أرزقه فأمتعه.
ويجوز أن تكون «من» شرطية ، والفاء جوابها.
وقيل : الجواب محذوف تقديره : ومن كفر أرزق ، و «من» على هذا رفع بالابتداء ، ولا يجوز أن تكون منصوبة ؛ لأن أدوات الشرط لا يعمل فيها جوابها ، بل فعل الشرط انتهى.
أما قوله : «لأن الكفر لا يستحقّ به التمتّع» فليس بمسلّم ، بل التمتّع القليل والمصير إلى النار مستحقّان بالكفر.
وأيضا فإن التمتّع وإن سلّمنا أنه ليس مستحقّا بالكفر ، ولكن قد عطف عليه ما هو مستحقّ به ، وهو المصير إلى النار ، فناسب ذلك أن يقعا جميعا خبرا.
وأيضا فقد ناقض كلامه ؛ لأنه جوز فيها أن تكون شرطية ، وهل الجزاء إلّا مستحق بالشرط ، ومترتب عليه؟ فكذلك الخبر المشبه به.
وأما تجويزه زيادة الفاء ، وحذف الخبر ، أو جواب الشرط فأوجه بعيدة لا حاجة إليها.
__________________
(١) ينظر الإملاء : ١ / ٦٢.