وقرىء : «أمتعه» مخفّفا من أمتع يمتع ، وهي قراءة (١) ابن عامر رضي الله عنه ، و «فأمتعه» بسكون العين ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه تخفيف كقوله : [السريع]
٧٨٤ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب |
|
.......... (٢) |
والثاني : أن «الفاء» زائدة وهو جواب الشرط ؛ فلذلك جزم بالسكون ، وقرأ ابن عباس (٣) رضي الله عنهما ومجاهد «فأمتعه ثمّ اضطرّه» على صيغة الأمر فيهما ، ووجهها أن يكون الضمير في «قال» لإبراهيم يعني سأل ربه ذلك و «من» على هذه القراءة يجوز أن تكون مبتدأ ، وأن تكون منصوبة على الاشتغال بإضمار فعل سواء جعلتها موصولة أو شرطية ، إلا أنك إذا جعلتها شرطية قدرت الناصب لها متأخرا عنها ؛ لأن أداة الشرط لها صدر الكلام.
وقال الزمخشري : (وَمَنْ كَفَرَ) عطف على (مَنْ آمَنَ) كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف في «جاعلك» قال أبو حيان (٤) : أما عطف (مَنْ كَفَرَ) على (مَنْ آمَنَ) فلا يصح ؛ لأنه يتنافى تركيب الكلام ؛ لأنه يصير المعنى : قال إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وارزق من كفر ؛ لأنه لا يكون معطوفا عليه حتى يشركه في العامل.
«من آمن» العامل فيه فعل الأمر ، وهو العامل في (وَمَنْ كَفَرَ) ، وإذا قدرته أمرا تنافى مع قوله : (فَأُمَتِّعُهُ ؛) لأن ظاهر هذا إخبار من الله تعالى بنسبة التمتع ، وإلجائهم إليه ـ تعالى ـ وأن كلّا من الفعلين تضمّن ضميرا ، وذلك لا يجوز إلّا على بعد بأن يكون بعد الفاء قول محذوف فيه ضمير لله تعالى ، أي : قال إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ : وارزق من كفر ، فقال الله : أمتعه قليلا ثم أضطره ، ثم ناقض الزمخشري قوله هذا أنه عطف على «من» كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف في «جاعلك».
فقال : فإن قلت لم خص إبراهيم بذلك المؤمنين حتى رد عليه؟
فالجواب : قاس الرزق على الإمامة ، فعرف الفرق بينهما بأن الإمامة لا تكون للظالم ، وأما الرزق فربما يكون استدراجا.
والمعنى : قال : (وَارْزُقْ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ)» فظاهر قوله «والمعنى قال» أن الضمير في «قال» لله تعالى ، وأن (مَنْ كَفَرَ) منصوب بالفعل المضارع المسند إلى ضمير المتكلم.
__________________
(١) انظر السبعة : ١٧٠ ، والكشف : ١ / ٢٦٥ ، وحجة القراءات : ١١٤ ، والحجة : ٢ / ٢٢١ ، وإتحاف : ١ / ٤١٧ ، والعنوان : ٧١ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٦٨ ، وشرح شعلة : ٢٧٧.
(٢) تقدم برقم ٤٩٧.
(٣) انظر الشواذ : ١٧ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٢٠٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٥٥٥ ، والدر المصون : ١ / ٣٦٧.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٥٦.