وأما قراءة الغيبة فالظاهر أن «أم» فيها منقطعة على المعنى المتقدم ، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنها متّصلة ؛ لأنك إذا قلت : أتقوم أم يقوم عمرو ؛ أيكون هذا أم هذا ، أورد ابن عطية هذا الوجه فقال : هذا المثال غير جيّد ؛ لأن القائل غير واحد ، والمخاطب واحد ، والقول في الآية من اثنين ، والمخاطب اثنان غيران ، وإنما تتّجه معادلة «أم» للألف على الحكم المعنوي ، كأن معنى قل : أتحاجوننا : «أيحاجون يا محمد أم تقولون».
وقال الزمخشري (١) : وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلّا منقطعة.
قال أبو حيان (٢) رحمهالله تعالى : ويمكن الاتصال مع قراءة الياء ، ويكون ذلك من الالتفات إذا صار فيه خروج من خطاب إلى غيبة ، والضمير لناس مخصوصين.
وقال أبو البقاء (٣) : أم تقولون يقرأ بالياء ردّا على قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) ، فجعل هذه الجملة متعلّقة بقوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) ، وحينئذ لا تكون إلا منقطعة لما عرفت أن من شرط المتصلة تقدم همزة استفهام أو تسوية مع أن المعنى ليس على أن الانتقال من قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) إلى قوله : «أم يقولون» حتى يجعله ردّا عليه ، وهو بعيد عنه لفظا ومعنى.
وقال أبو حيان (٤) : الأحسن في القراءتين أن تكون «أم» منقطعة ، وكأنه أنكر عليهم محاجتهم في الله ، ونسبة أنبيائه لليهودية والنصرانية ، وقد وقع منهم ما أنكر عليهم ألا ترى إلى قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٦٥] الآيات.
وإذا جعلناها متصلة كان ذلك غير متضمن وقوع الجملتين ، بل إحداهما ، وصار السؤال عن تعيين إحداهما ، وليس الأمر كذلك إذ وقعا معا.
وهذا الذي قاله الشيخ حسن جدا.
و «أو» في قوله : (هُوداً أَوْ نَصارى) كهي في قوله : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] وقد تقدم تحقيقه.
قوله تعالى : (قُلْ : أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ).
معناه : أن الله أعلم ، وخبره أصدق ، وقد أخبر في التوراة والإنجيل ، وفي القرآن على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم أنهم كانوا مسلمين مبرئين عن اليهودية والنصرانية.
فإن قيل : إنما يقال هذا فيمن لا يعلم ، وهم علموه وكتموه ، فكيف يصح الكلام؟
فالجواب : من قال : إنهم كانوا على ظنّ وتوهم ، فالكلام ظاهر ، ومن قال : علموا وجحدوا ، فمعناه : أن منزلتكم منزلة المعترضين على ما يعلم أن الله أخبر به ، فلا ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله ـ تعالى ـ أعلم.
__________________
(١) ينظر الكشاف : ١ / ١٩٧.
(٢) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٧.
(٣) ينظر الإملاء : ١ / ٦٦.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٧.