[و «أم» في قوله تعالى : (أَمِ اللهُ) متصلة ، والجلالة ، عطف على «أنتم» ، ولكنه فصل بين المتعاطفين بالمسؤول عنه ، وهو أحسن الاستعمالات الثلاثة ؛ وذلك أنه يجوز في مثل هذا التركيب ثلاثة أوجه : تقدم المسؤول عنه نحو قوله : «أأعلم أم الله» ، وتوسطه نحو (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) ، وتأخيره نحو : أأنتم أم الله أعلم.
وقال أبو البقاء رحمهالله تعالى : (أَمِ اللهُ) مبتدأ ، والخبر محذوف أي : أم الله أعلم ، و «أم» هنا متصلة ، أي : ربكم أعلم ، وفيه نظر ؛ لأنه إذا قدر له خبرا صناعيا صار جملة ، و «أم» المتصلة لا تعطف الجمل ، بل المفرد وما في معناه. وليس قول أبي البقاء بتفسير معنى ، فيغتفر له ذلك ، بل تفسير إعراب ، والتفصيل في قوله : (أَعْلَمُ) على سبيل الاستهزاء ، وعلى تقدير أن يظن بهم علم ، فيكون من الجهلة ، وإلا فلا مشاركة ، ونظيره قول حسان : [الوافر]
٨٢٠ ـ أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشرّكما لخير كما الفداء (١) |
وقد علم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ خير الكل](٢).
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ).
في «من» من قوله : (مِنَ اللهِ) أربعة أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب «كتم» ، وذلك على حذف مضاف أي : كتم من عباد الله شهادة عنده.
الثاني : أن تتعلق بمحذوف على أنها صفة لشهادة بعد صفة ؛ لأن «عنده» صفة لشهادة ، وهو ظاهر قول الزمخشري رحمهالله ، فإنه قال : و «من» في قوله : (شَهادَةً مِنَ اللهِ) مثلها في قولك : «هذه شهادة مني لفلان» إذا شهدت له ، ومثله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ١].
الثالث : أنها في محلّ نصب على الحال من المضمر في «عنده» يعني : من الضمير المرفوع بالظّرف لوقوعه صفة ، ذكره أبو البقاء رحمهالله تعالى.
الرابع : أن يتعلّق بذلك المحذوف الذي تعلق به الظرف ، وهو «عنده» لوقوعه صفة ، والفرق بينه وبين الوجه الثاني أن ذلك له عامل مستقل غير العامل في الظرف.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن تعلق «من» بشهادة لئلّا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة يعني : أن «شهادة» مصدر مؤول بحرف مصدري وفعل ، فلو علّقت «من» بها لكنت قد فصلت بين ما هو في معنى الموصول ، وبين أبعاض الصّلة بأجنبي ، وهو الظرف الواقع صفة لشهادة.
__________________
(١) تقدم برقم (٢٨٢).
(٢) سقط في ب.