وفيه نظر من وجهين :
أحدهما : لا نسلم أن «شهادة» ينحل إلى الموصول وصلته فإن كل مصدر لا ينحل لهما.
والثاني : سلمنا ذلك ، ولكن لا نسلم والحالة هذه أن الظرف صفة ، بل هو معمول لها ، فيكون بعض الصلة أجنبيّا حتى يلزم الفصل به بين الموصول وصلته ، وإنما كان طريق منع هذا بغير ما ذكر ، وهو أن المعنى يأبى ذلك.
و «كتم» يتعدّى لاثنين ، فأولهما في الآية الكريمة محذوف تقديره : كتم النّاس شهادة ، والأحسن من هذه الوجوه أن تكون «من الله» صفة لشهادة أو متعلّقة بعامل الظرف لا متعلقة ب «كتم» ، وذلك أن كتمان الشهادة مع كونها مستودعة من الله عنده أبلغ في الأظلمية من كتمان شهادة مطلقة من عبادة الله.
وقال في «ري الظمآن» : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت له كقولك : «ومن أظلم من زيد من جملة الكلمتين للشهادة» ، والمعنى : لو كان إبراهيم وبنوه يهودا أو نصارى ، ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه ، لكن لما استحال ذلك مع عدله وتنزيهه عن الكذب علمنا أن الأمر ليس كذلك.
قال أبو حيان : وهذا متكلّف جدّا من حيث التركيب ، ومن حيث المدلول. أما التركيب فإن التقديم والتأخير من الضّرائر عند الجمهور.
وأيضا فيبقى قوله : (مِمَّنْ كَتَمَ) متعلقا : إما ب «أظلم» ، فيكون ذلك على طريق البدلية ، ويكون إذ ذاك بدل عام من خاص ، وليس بثابت ، وإن كان بعضهم زعم وروده ، لكن الجمهور تأولوه بوضع العامّ موضع الخاص ، أو تكون «من» متعلقة بمحذوف ، فتكون في موضع الحال ، أي : كائنا من الكاتمين.
وإمّا من حيث المدلول ، فإن ثبوت الأظلمية لمن جرّ ب «من» يكون على تقدير ، أي : إن كتمها فلا أحد أظلم منه ، وهذا كله معنى لا يليق به ـ تعالى ـ وينزه كتابه عنه.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وعيد وإعلام بأنه لم يترك أمرهم سدى ، وأنه يجازيهم على أعمالهم.
والغافل الذي لا يفطن إلى الأمور إهمالا منه ؛ مأخوذ من الأرض الغفل ، وهي التي لا علم لها ولا أثر عمارة.
وناقة غفل : لا سمة بها.
ورجل غفل : لم يجرب الأمور. وقال الكسائي : «أرض غفل لم تمطر» ، غفلت عن الشيء غفلة وغفولة ، وأغفلت الشيء : تركته على ما ذكر منك.