وهذا لا يدلّ فإنّ جوابها في البيت بعده ، وهو قوله [الوافر]
٨٨٦ ـ بيوم الشّعثمين ، لقرّ عينا |
|
وكيف لقاء من تحت القبور (١) |
واستدلّ أيضا بأنّ «أن» تفتح بعد «لو» ؛ كما تفتح بعد ليت في قوله [الرجز]
٨٨٧ ـ يا ليت أنّا ضمّنا سفينه |
|
حتّى يعود البحر كيّنونه (٢) |
وهاهنا فائدة ينبغي أن ينتبه لها ، وهي : أنّ النّحاة قالوا : كلّ موضع نصب فيه المضارع بإضمار «أن» بعد الفاء [إذا سقطت الفاء ، جزم إلّا في النّفس ، ينبغي أن يزاد هذا الموضع أيضا ؛ فيقال : و «إلّا» في جواب التّمنّي ب «لو» ؛ فإنّه ينصب المضارع فيه بإضمار «أن» بعد الفاء الواقعة جوابا له ، ومع ذلك ، لو سقطت هذه الفاء](٣) لم يجزم.
قال أبو حيّان (٤) والسّبب في ذلك : أنّها محمولة على حرف التمنّي ، وهو «ليت» والجزم في جواب «ليت» إنما هو لتضمنها معنى الشّرط ، أو لدلالتها على كونه محذوفا على اختلاف القولين ؛ فصارت «لو» فرع الفرع ، فضعف ذلك فيها.
وقيل : «لو» في هذه الآية الكريمة ونظائرها لما كان سيقع لوقوع غيره ، وليس فيها معنى التمنّي ، والفعل منصوب ب «أن» مضمرة ؛ على تأويل عطف اسم على اسم ، وهو «كرّة» والتقدير : «لو أنّ لنا كرّة ، فنتبرّأ» ؛ فهو من باب قوله : [الوافر]
٨٨٨ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
.......... (٥) |
ويكون جواب «لو» محذوفا أيضا ؛ كما تقدّم.
وقال أبو البقاء (٦) رحمهالله تعالى : «فنتبرّأ» منصوب بإضمار «أن» ، تقديره : «لو أنّ لنا أن نرجع فنتبرّأ» فحلّ «كرّة» إلى قوله : «أن نرجع» ؛ لأنّه بمعناه ، وهو قريب ، إلّا أنّ النحاة يأوّلون الفعل المنصوب بمصدر ؛ ليعطفوه على الاسم قبله ، ويتركون الاسم على حاله ؛ وذلك لأنه قد يكون اسما صريحا غير مصدر ؛ نحو «لو لا زيد ويخرج ، لأكرمتك» فلا يتأتّى تأويله بحرف مصدريّ وفعل.
قوله تعالى : «كما» الكاف في موضعها نصب : إمّا على كونها نعت مصدر محذوف ، أي : «تبرّؤا» وإمّا على الحال من ضمير المصدر المعرّف المحذوف أي
__________________
ـ ١٠٦٤ ، خزانة الأدب : ١١ / ٣٠٥ ، والرد على النحاة : ص ١٢٥ ، وسمط اللآلي : ص ١١٢ ، شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٥٤ ، المقاصد النحوية : ٤ / ٤٦٣ ، والاشتقاق : ص ٣٣٨ ، الجنى الداني : ص ٢٨٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٩٧ ، مغني اللبيب : ١ / ٢٦٧ ، والدر المصون : ١ / ٤٣١.
(١) ينظر البحر : ١ / ٦٤٨ ، والدر المصون ١ / ٤٣٢.
(٢) ينظر شواهد البحر : ١ / ٦٤٨ ، الإنصاف : ٤٧١ ، اللسان «كون». والدر المصون : ١ / ٤٣٢.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦٤٨.
(٥) تقدم برقم ٧٦٢.
(٦) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٤.