وقال الحسن : «جميع عباد الله» (١).
قال القاضي : «دلّت الآية على أنّ هذا الكتمان من الكبائر لأنّه تعالى أوجب فيه اللّعن(٢).
قوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١٦٠)
في الاستثناء وجهان :
أحدهما : أن يكون متّصلا ، والمستثنى منه هو الضّمير في «يلعنهم».
والثاني : أن يكون منقطعا ؛ لأنّ الّذين كتموا ، لعنوا قبل أن يتوبوا. وإنّما جاء الاستثناء ؛ لبيان قبول التّوبة ؛ لأنّ قوما من الكاتمين لم يلعنوا ، نقل ذلك أبو البقاء (٣).
قال بعضهم : «وليس بشيء».
فصل
اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن عظيم الوعيد ، فكان يجوز أن يتوهّم أنّ الوعيد يلحقهم على كلّ حال ، فبيّن تعالى أنّهم إذا تابوا ، تغيّر حكمهم ، ودخلوا في أهل الوعد. والتّوبة عبارة عن النّدم على فعل القبيح لقبحه ، لا لغرض سواه ؛ لأنّ من لم يردّ الوديعة ، ثم ندم للوم الناس وذمّهم ، أو لإنّ الحاكم ردّ شهادته لم يكن تائبا ، وكذلك ، لو عزم على ردّ الودائع والقيام بالواجبات ؛ لكي تقبل شهادته أو يمدح بالثّناء عليه ، لم يكن تائبا وهذا معنى الإخلاص في التوبة ثم بيّن تعالى أنه لا بدّ له بعد التوبة من إصلاح ما أفسده مثلا ، لو أفسد على رجل دينه بإيراد شبهة عليه ، يلزمه إزالة تلك الشّبهة ، ثمّ بيّن بأنه يجب عليه بعد ذلك أن يفعل ضدّ الكتمان ، وهو البيان بقوله «وبيّنوا» فدلّت الآية على أنّ التّوبة لا تحصل إلّا بترك كلّ ما ينبغي.
وقيل : بيّنوا توبتهم وصلاحهم. قال ابن الخطيب (٤) : قالت المعتزلة : الآية تدلّ على أنّ التّوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على البعض لا تصحّ ؛ لأن قوله «وأصلحوا» عامّ في الكلّ.
والجواب : أنّ اللفظ المطلق يكفي في صدقه حصول فرد واحد من أفراده.
وقوله : (أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أتجاوز عنهم ، وأقبل توبتهم. (وَأَنَا التَّوَّابُ) الرّجّاع بقلوب عبادي المنصرفة عنّي إليّ ، القابل لتوبة كلّ ذي توبة ، الرحيم بهم بعد إقبالهم عليّ.
__________________
(١) ينظر تفسير البغوي : ١ / ١٣٤.
(٢) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٥٠.
(٣) ينظر الإملاء : ١ / ٧١.
(٤) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٥٠.