قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ) قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة : «ولا تقاتلوهم حتّى يقاتلوكم ، فإن قاتلوكم» بالألف من القتال ، وقرأها (١) حمزة والكسائيّ من غير ألف من القتل وهو في المصحف بغير ألف ، وإنما كتبت كذلك ؛ للإيجاز ؛ كما كتبوا الرّحمن بغير ألف ، وما أشبه ذلك من حروف المدّ واللّين.
فأما قراءة الجمهور فواضحة ؛ لأنها نهي عن مقدّمات القتل ؛ فدلالتها على النّهي عن القتل بطريق الأولى ، وأمّا قراءة الأخوين ، ففيها تأويلان :
أحدهما : أن يكون المجاز في الفعل ، أي : ولا تقتلوا بعضهم ؛ حتّى يقتلوا بعضكم ؛ ومنه (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) [آل عمران : ١٤٦] ثم قال «فما وهنوا» أي ما وهن من بقي منهم ، وقال الشاعر : [المتقارب]
٩٧٠ ـ فإن تقتلونا نقتّلكم |
|
وإن تقصدوا لدم نقصد (٢) |
أي : فإن تقتلوا بعضنا. يروى أن الأعمش قال لحمزة : أرأيت قراءتك ، إذا صار الرجل مقتولا ، فبعد ذلك كيف يصير قاتلا لغيره؟!
قال حمزة : إنّ العرب ، إذا قتل منهم رجل قالوا : قتلنا ، وإذا ضرب منهم رجل ، قالوا ضربنا (٣) وأجمعوا على «فاقتلوهم» أنّه من القتل ، وفيه بشارة بأنّهم ، إذا فعلوا ذلك ، فإنهم متمكّنون منهم بحيث إنكم أمرتم بقتلهم ، لا بقتالهم ؛ لنصرتكم عليهم ، وخذلانهم ؛ وهي تؤيّد قراءة الأخوين ، ويؤيّد قراءة الجمهور : «وقاتلوا في سبيل الله».
و «عند» منصوب بالفعل قبله ، و «حتّى» متعلقة به أيضا غاية له ، بمعنى «إلى» والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» والضمير في «فيه» يعود على «عند» إذ ضمير الظرف لا يتعدّى إليه الفعل إلّا ب «في» ؛ لأنّ الضمير يردّ الأشياء إلى أصولها ، وأصل الظرف على إضمار «في» اللهم إلا أن يتوسّع في الظرف ، فيتعدّى الفعل إلى ضميره من غير «في» ولا يقال : «الظّرف غير المتصرّف لا يتوسّع فيه» ، فيتعدّى إليه الفعل ، فضميره بطريق الأولى ؛ لأنّ ضمير الظّرف ليس حكمه حكم ظاهره ؛ ألا ترى أنّ ضميره يجرّ ب «في» وإن كان ظاهره لا يجوز ذلك فيه ، ولا بدّ من حذف في قوله : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) أي : فإن قاتلوكم فيه ، فاقتلوهم فيه ، فحذف لدلالة السّياق عليه.
__________________
(١) ينظر : السبعة ١٧٩ ، والكشف ١ / ٢٨٠ ، والحجة ٢ / ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، والعنوان ٧٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ٩٤ ـ ٩٦ ، وحجة القراءات ١٢٧ ، ١٢٨ ، وشرح شعلة ٢٨٦ ، وإتحاف ١ / ٤٣٣.
(٢) البيت من قصيدة امرىء القيس بن عانس الشهيرة التي مطلعها :
تطاول ليلك بالأثمد |
|
ونام الخليّ ولم ترقد |
انظر : ديوانه ١٨٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٧٥ ، والدر المصون ١ / ٤٨١.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١٢.