آتيناهم ، ثم قال : كثيرا من الآيات التي آتيناهم ، والاستفهامية لا تحتاج إلى ذلك.
و «من آية» فيه وجهان :
أحدهما : أنها مفعول ثان على القول بأنّ «كم» منصوبة على الاشتغال ؛ كما تقدّم ، ويكون مميّز «كم» محذوفا ، و «من» زائدة في المفعول ؛ لأنّ الكلام غير موجب ، إذ هو استفهام ، وهذا إذا قلنا إنّ «كم» استفهامية لا خبرية ؛ إذ الكلام مع الخبرية إيجاب ، و «من» لا تزاد في الواجب إلّا على رأي الأخفش ، والكوفيّين ، بخلاف ما إذا كانت استفهامية. قال أبو حيّان : فيمكن أن يجوز ذلك فيه لانسحاب الاستفهام على ما بعده وفيه بعد ، لأنّ متعلّق الاستفهام هو المفعول الأول لا الثاني ، فلو قلت : «كم من درهم أعطيته من رجل» على زيادة «من» في «رجل» لكان فيه نظر» انتهى.
والثاني : أنها تمييز ، ويجوز دخول «من» على مميّز «كم» استفهامية كانت أو خبرية مطلقا ، أي : سواء وليها مميّزها ، أم فصل بينهما بجملة ، أو ظرف أو جارّ ومجرور ، على ما قرّره النحاة. و «كم» وما في حيّزها في محلّ نصب أو خفض ، لأنها في محل المفعول الثاني للسؤال فإنّه يتعدّى لاثنين : إلى الأوّل بنفسه وإلى الثّاني بحرف جرّ : إمّا عن ، وإمّا الباء ؛ نحو : سألته عن كذا وبكذا ؛ قال تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] ، وقد جمع بينهما في قوله: [الطويل]
١٠٣٢ ـ فأصبحن لا يسألنني عن بما به |
|
..........(١) |
وقد يحذف حرف الجرّ ، فمن ثمّ جاز في محلّ «كم» النصب ، والخفض بحسب التقديرين ، و «كم» هنا معلقة للسؤال ، والسؤال لا يعلّق إلا بالاستفهام ؛ كهذه الآية ، وقوله تعالى : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) [القلم : ٤٠] ، وقوله : [الطويل]
١٠٣٣ ـ يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصّوت (٢) |
وقال آخر : [البسيط]
__________________
(١) صدر بيت للأسود بين يعفر وعجزه :
أصعد في علو الهوى أم تصويا
ينظر : ديوانه ص ٢١ ، المغني ٢ / ٣٥٤ ، الأشموني ٣ / ٨٣ ، أوضح المسالك ٢ / ٨٩ ، التصريح ١٢ ، ١٣٠ ، اللسان : صعد وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٧ ، ٥٢٨ ، ٥٢٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٢ ، ٣٠ ، ٧٨ ، ١٥٨ ، والبحر ٢ / ١٣٦ ، والدر المصون ١ / ٥١٦.
(٢) البيت لرويشد الطائي ينظر : شرح الحماسة ١ / ١٠٢ ، المفصل لابن يعيش ٥ / ٩٥ ، الخصائص ٢ / ٤١٦ ، الدرر ٢ / ٢١٦ ، الإنصاف ٢ / ٧٧٣ ، الهمع ٢ / ١٥٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ١١ ، واللسان (صوت) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٣ ، ٥ / ٢٣٧ ، وتخليص الشواهد ص ١٤٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٢١ ، والدر المصون ١ / ٥١٦.