مَنْ يَشاءُ) وذلك لأن أشخاص الناس متساوية في الحقيقة والإساءة والإحسان والسيئة والحسنة تمتاز بعضها عن بعض فإذا عرفها البعض دون البعض لا يكون ذلك باستقلال منهم فلا بدّ من الاستناد إلى إرادة الله تعالى (١).
ثم سلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حيث حزن على إصرارهم بعد إتيانه بكل آية ظاهرة وحجة قاهرة(٢) فقال : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) [الكهف : ٦] أي لا تغتمّ بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا.
قوله : (فَلا تَذْهَبْ) العامة على فتح التاء مسندا «لنفسك» من باب «لا ارينك هاهنا»(٣) أي لا تتعاط أسباب ذلك. وقرأ أبو جعفر (٤) وقتادة والأشهب (٥) بضم التاء وكسر الهاء مسندا لضمير المخاطب (و) نفسك مفعول به (٦).
قوله : «حسرات» فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول من أجله أي لأجل الحسرات.
والثاني : أنه في موضع الحال على المبالغة (٧) كأن كلها صا (ر) (٨) ت حسرات لفرط التحسر كما قال :
٤١٥٢ ـ مشق الهواجر لحمهنّ مع السّرى |
|
حتّى ذهبن كلاكلا وصدورا (٩) |
يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها كقولهم (شعر) (١٠) :
__________________
(١) نقله الإمام الفخر في تفسيره ٢٦ / ٦.
(٢) في الرازي باهرة.
(٣) أتى بهذا المثال استئناسا لإسناد الفعل «ذهب» إلى لفظ «نفسك» أي لا يكن منك ذلك ، وكذلك معنى المثال أي لا تكن بحيث أراك ها هنا. وهذا المثال حكاه سيبويه في الكتاب ٣ / ١٠١ في باب الحروف التي تنزّل بمنزلة الأمر والنهي ، لأن فيها معنى الأمر والنهي.
(٤) أحد العشرة القراء وقد ترجم له.
(٥) تقدم.
(٦) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٣ وأبو حيان ٧ / ٣٠١ والفراء ٢ / ٣٦٧ قال : «وكلّ صواب» وانظر : الإتحاف ٣٦١.
(٧) ذهب إلى هذين الوجهين ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٨٧ وأبو البقاء في التبيان ١٠٧٣ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٠١ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣٠١.
(٨) ما بين القوسين سقط من «أ».
(٩) بيت من بحر الكامل التام لجرير. ومعنى مشق : برى والهواجر جمع «الهاجرة» وهي وقت انتصاف النهار في شدة الحر. والسّرى : السّير ليلا. والكلاكل : هي الصدور. والشاهد : مجيء كلاكلا حال من النون في «ذهبن» مبالغة في أن هذه الخيل تصير عظاما من كثرة السير ليلا. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٠١ والكتاب ١ / ١٦٢ والكشاف ٣ / ٣٠١ وشرح شواهده ٤١٨ والقرطبي ١٤ / ٣٢٦ وديوان زهير ١٩١ وديوانه ٣٢٣ و ٣٥٣ دار صادر.
(١٠) زيادة من «ب».