كقوله : (أَلَمْ نُرَبِّكَ) [الشعراء : ١٨] ثم قال : ولبثت (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ) [الشرح : ١] ثم قال: (وَوَضَعْنا) [الشرح : ٢] ، إذ هما في معنى ربّيناك وشرحنا ، والمراد بالنّذير محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في قول أكثر المفسرين. وقيل : القرآن. وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع : هو الشيب (١). والمعنى أو لم نعمركم حتى شبتم. ويقال : الشّيب نذير الموت. وفي الأثر : ما من شعرة تبيضّ إلّا قالت لأختها : استعدّي فقد قرب الموت (٢). وقرىء : النّذر جمعا (٣).
قوله : «فذوقوا» أمر إهانة (فَما لِلظَّالِمِينَ) الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها. (مِنْ نَصِيرٍ) في وقت الحاجة ينصرهم ، و (مِنْ نَصِيرٍ) يجوز أن يكون فاعلا بالجار لاعتماده وأن يكون مبتدأ مخبرا عنه بالجار قبله (٤).
قوله : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قرأ العامة عالم غيب على الإضافة تخفيفا. وجناح بن حبيش بتنوين عالم ونصب (غيب) (٥) إنّه عليم بذات الصّدور. وهذا تقرير لدوامهم في العذاب وذلك من حيث إن الله تعالى لما أعلم أنّ جزاء السّيئة سيئة مثلها ولا يزاد عليها فلو قال (قائل) (٦) : الكافر ما كفر بالله إلا أياما معدودة فينبغي أن لا يعذّب إلا مثل تلك الأيام فقال : إنّ الله لا يخفى عليه غيب السموات والأرض فلا يخفى (٧) عليه ما في الصدور وكان يعلم من الكافر أنّ في قلبه تمكّن الكفر لو دام إلى الأبد لما أطاع الله (٨).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ
__________________
(١) انظر في هذا القرطبي ١٤ / ٣٥٣ وزاد المسير ٦ / ٤٩٤ و ٤٩٥ والبغوي ٥ / ٣٠٥ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٠ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٧٢.
(٢) قاله الخازن والبغوي ٥ / ٣٠٥.
(٣) القرطبي ١٤ / ٣٥٣ والكشاف ٣ / ٣١١ بدون نسبة وكذلك فعل أبو حيان في بحره ٧ / ٣١٦ ونسبها صاحب الشواذ إلى ابن مسعود. انظر الشواذ ١٠٣.
(٤) نقله في الدر ٤ / ٤٨٦.
(٥) شاذة في الرواية وهي جائزة من حيث القياس العربيّ. وقد ذكرها في المختصر بدون ضبط. انظره ١٢٤. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٢١٦.
(٦) سقط من «ب».
(٧) في «ب» فلا يعلم تحريف.
(٨) وانظر : التفسير الكبير للإمام الرازي ٢٦ / ٣٠ و ٣١.