وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً)(٤٥)
قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) لما ذكر الأولين وسنته في إهلاكهم نبههم بتذكير الأولين فإنهم كانوا يمرون على ديارهم ويرون آثارهم وأملهم كان فوق أملهم وعملهم كان دون عملهم وكانوا أطول أعمارا منهم وأشد اقتدارا ومع هذا لم يكذبوا مثل محمد وأنتم يا أهل مكة كفرتم محمدا ومن تقدّمه.
قوله : (وَكانُوا أَشَدَّ) جملة في موضع نصب على الحال (١) ونظيرتها في الروم : «كانوا» (٢) بلا «واو» على أنها مستأنفة فالمقصدان مختلفان.
وقال ابن الخطيب : الفرق بينهما أن قول القائل : «أما رأيت زيدا كيف أكرمني هو أعظم منك» يفيد أن القائل يخبره بأن زيدا أعظم وإذا قال : ما (٣) رأيته (٤) كيف أكرمني وهو أعظم (منك) (٥) يفيد أن يقرر أن المعنيين حاصلان عند السامع كأنه رآه أكرمه ورآه أكرم منه (و) (٦) لا شك في أن هذه العبارة الأخيرة تفيد كون الأمر الثاني في الظهور مثل الأول بحيث لا يحتاج إلى إعلام من المتكلم ولا إخبار. وإذا علم هذا فنقول : المذكور ههنا كونهم أشدّ منهم قوة لا غير ولعل ذلك كان ظاهرا عندهم فقال «بالواو» أي نظركم كما يقع على عاقبة أمرهم يقع على قوتهم وأما هناك فالمذكور أشياء كثيرة فإنه قال : (أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ) [الروم : ٩]. وفي موضع آخر قال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) [غافر : ٨٢] ولعل علمهم لم يحصل بإثارتهم (٧) في الأرض أو (٨) بكثرتهم ولكن نفس القوة ورجحانهم كان معلوما عندهم فإن كل طائفة تعتقد فيمن تقدمها أنها (٩) أقوى منها ولا تنازع فيه.
__________________
(١) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٩٠.
(٢) الآية ٩ منها وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٢٠ والسمين ٤ / ٤٩٠.
(٣) في الرازي «أما» لا (ما) كما في النسختين.
(٤) في «ب» رأيت وما هنا موافق للفخر الرازي.
(٥) ساقط من «ب» وهو في الفخر.
(٦) كذلك.
(٧) الأصح كما أثبت أعلى وهو موافق للرازي وفي النسختين بإثارهم.
(٨) في «ب» أي. والرازي موافق لما هنا.
(٩) في الفخر (أنهم) بالجمع وفي «ب» أنه بالإفراد المذكر.