بولص (١) والقرية أنطاكية. وهذا القول ضعيف جدا ؛ لأن أهل أنطاكية لما بعث إليهم المسيح ثلاثة من الحواريين كانوا أول مدينة آمنت بالمسيح في ذلك الوقت ، ولهذا كانت إحدى المدن الأربع التي تكون فيها مباركة النصارى وهي أنطاكية والقدس واسكندرية رومية ، ثم بعدها قسطنطينية ، ولم يهلكوا (إذ) (٢) أهل هذه القرية المذكورة في القرآن أهلكوا لقول الله تعالى : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) [يس : ٢٩] لكن إن كانت الرسل الثلاثة المذكورة في القرآن بعثوا لأهل (٣) أنطاكية قديما فكذبوهم فأهلكهم الله ثم عمّرت بعد ذلك فلما كان في زمن المسيح آمنوا برسله فيجوز. والله أعلم.
قوله : «فعزّزنا» قرأ أبو بكر بتخفيف الزاي بمعنى غلبنا ، ومنه : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣] ومنه قولهم : عزّ وبزّ (٤) أي صا له بزّ.
والباقون بالتشديد بمعنى قوّينا (٥) ، يقال : عزّز المطر الأرض أي قواها ولبدها ، ويقال لتلك الأرض العزاء وكذا كل أرض صلبة. وتعزّز لحم النّاقة أي صلب وقوي (٦). وعلى كلتا القراءتين المفعول محذوف (٧) أي فقوّيناهما (أو فغلبناهما بثالث) (٨) ؛ لأن المقصود من البعثة نصرة الحق ، لا نصرتهما ، والكل كانوا مقوين للدين والبرهان.
وقرأ عبد الله (٩) «بالثّالث» بألف ولام (١٠).
قوله : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) جرد خبر «إنّ» هذه من لام التوكيد ، وأدخلها في خبر الثانية ، لأنهم في الأولى استكملوا مجرد الإنكار فقابلتهم الرسل بتوكيد واحد وهو الإتيان ب «إنّ» وفي الثانية بالغوا في الإنكار فقابلتهم (الرسل) بزيادة التأكيد ، فأتوا ب «إنّ» وب «اللّام».
قال أهل البيان : الأخبار ثلاثة أقسام : ابتداء وطلبيّ وإنكاريّ.
__________________
(١) وفي «ب» يونس وانظر : زاد المسير لابن الجوزي ٧ / ١٠. وصادق وصدوق قول ابن عباس وكعب.
ويوحنا وبولس قول وهب وتومان وبولس قول مقاتل. انظر : المرجع السابق وجامع البيان ٢٢ / ١٠١.
(٢) سقط من «ب».
(٣) في «ب» إلى أنطاكية.
(٤) ذكر هذا المثال الميداني في مجمع أمثاله ٤ / ٢٨٢ أي من غلب سلب وانظر أيضا حجة ابن خالويه ٢٩٨ واللسان «عزز وبزز» ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٢.
(٥) في «ب» قريبا وهو تحريف.
(٦) اللسان : «ع ز ز» ومجاز القرآن ٢ / ١٥٨.
(٧) هذا قول أبي البقاء في التبيان ١٠٧٩ ومكي في الكشف ٢ / ٢١٥٤.
(٨) ما بين القوسين زيادة من «أ».
(٩) ابن مسعود رضي الله عنه وقد مرّ التعريف به.
(١٠) أوّل الفراء في «معاني القرآن» «ثالث» بالثّالث ورجحها. انظر : معانيه ٢ / ٢٧٣ ومختصر ابن خالويه ١٢٤ و ١٢٥ وهي شاذة.