فالجواب : تبيين (١) الفرق بينه وبينهم لأنهما من قبيلة واحدة وأيضا فالعذاب كان مختصا بهم أكرم أحدهما غاية الإكرام بسبب (٢) الإيمان وأهين الآخر غاية الإهانة بسبب الكفر ونسبهما من قبيلة واحدة (٣) وأيضا فالعذاب كان مختصا بهم وهم أقاربه لأن غيرهم من قوم الرسل آمنوا بهم فلم يصبهم العذاب.
فإن قيل : لم خصص عدم الإنزال بما بعده والله تعالى لم ينزل عليهم جندا قبله أيضا فما فائدة التخصيص؟.
فالجواب : أن استحقاقهم العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا فبين حال الإهلاك.
فإن قيل : قال : (مِنَ السَّماءِ) وهو تعالى لم ينزل عليهم ولا أرسل إليهم جندا من الأرض فما فائدة التقييد؟.
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد ما أنزلنا عليهم جندا بأمر من السماء فتكون للعموم.
والثاني : أن العذاب نزل عليهم من السماء فبين أن النازل لم يكن جندا وإنما كان بصيحة أخذتهم وخربت ديارهم.
فإن قيل : أي فائدة في قوله : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) مع قوله : (وَما أَنْزَلْنا) وهو يستلزم أن لا يكون من المنزلين؟.
فالجواب : أن قوله : (وَما كُنَّا) أي ما كان ينبغي أن ينزل (٤) ، لأن الأمر كان يتم بدون ذلك والمعنى وما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى الإنزال أو وما أنزلنا وما كنا منزلين في مثل تلك الواقعة جندا في غير تلك الواقعة أي وما أنزلنا على قومه من بعده أي على قوم حبيب من بعد قتله (٥) من جنده (٦) وما كنا منزلين ما ننزله على الأمم إذا أهلكناهم كالطّوفان والصّاعقة والرّيح.
فإن قيل : فكيف أنزل الله جنودا في يوم «بدر» وفي غير ذلك حيث قال تعالى : (رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) [الأحزاب : ٩].
فالجواب : أن ذلك تعظيما لمحمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ وإلّا لكان تحريك ريشة من جناح ملك كافيا في استئصالهم ولم تكن رسل (عيسى) (٧) ـ عليه الصلاة
__________________
(١) في «ب» ليبين.
(٢) في «ب» لسبب.
(٣) وانظر في هذا الفخر الرازي ٢٦ / ٦١.
(٤) في «ب» ينزل بالياء.
(٥) كذا هي هنا وفي البغوي. انظر : البغوي ٦ / ٧ وفي «ب» فقل تحريف.
(٦) في «ب» جند وهو الموافق للبغوي المرجع السابق.
(٧) سقط من «ب».