الكلّيّ استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلّيّ ؛ فإن دلالة الزمان والمكان متناسبة (١) ؛ لأن المكان لا يستغني عنه الجواهر والزمان لا يستغني عنه الأعراض لأن كل عرض فهو في زمان.
فإن قيل : إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فلم خصّ الدليل؟!.
فالجواب : أنه لما استدل بالمكان المظلم وهو الأرض استدل بالزّمان المظلم وهو الليل. ووجه آخر وهو أن اللّيل فيه سكون (الناس) (٢) وهدوء الأصوات وفيه النّوم وهو الموت الأصغر فيكون بعد طلوع الفجر كالنفخ في الصور فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) وذكر من الزمان (٣) أشبههما (٤) بالموت كما ذكر في المكان (٥) أشبههما بالموت.
فإن قيل : الليل بنفسه آية فأيّ حاجة إلى قوله : (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)؟.
فالجواب : أن الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها.
قوله : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) أي داخلون في الظلام كقوله : «مصبحين» (٦). و «إذا» للمفاجأة ؛ أي ليس لهم بعد ذلك أمر لا بد لهم من الدخول فيه.
قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) يحتمل أن تكون الواو للعطف على «اللّيل» تقديره: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ وَالشَّمْسُ تَجْرِي وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) فهي كلها آية وقوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) إشارة إلى سبب سلخ النهار فإنها تجري لمستقر لها بأمر الله فمغرب الشمس سالخ النّهار فذكر السبب بين صحة الدعوة ويحتمل أن يقال بأن قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل كأنه تعالى لما قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل فيعود النهار لمنافعه (٧).
قال المفسرون : إن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة (٨).
قوله : «لمستقر» قيل : في الكلام حذف مضاف تقديره تجري لمجرى (٩) مستقرّ لها
__________________
(١) في الرازي مناسبة وكلاهما قريبان وانظر : الفخر الرازي ٢٦ / ٦٨ و ٦٩ والبحر المحيط ٧ / ٣٣٥ وزاد المسير ٧ / ٢٦ و ١٧ والجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٢٦.
(٢) سقط من نسخة «ب».
(٣) كذا في النسختين وفي الرازي : فذكر من الزّمانين بالتّثنية.
(٤) في «ب» أشبهه.
(٥) في الرازي : المكانين.
(٦) الآية ٦٦ من الحجر و ٨٣ منها و ١٣٧ من الصافات و ١٧ من القلم و ٢١ منها.
(٧) في «ب» بمنافعه وهو الموافق لما في الرازي.
(٨) وانظر هذا كله في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٧٠ و ٧١.
(٩) كذا هنا من «ب» وفي «أ» مجرى. وهذا الكلام نقله المؤلف عن أبي حيان الذي نقله عن أبي عبد الله الرازي. انظر : البحر ٧ / ٣٣٦ والدر المصون ٤ / ٥١٧.