فالجواب : أن حركة الشمس التي لا تدرك بها القمر مختصة بالشمس فجعلها كالصادرة منها فذكر بصيغة الفعل لأن صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل فلا يقال : يخيط ولا يكون تصدر منه الخياطة وأما حركة القمر فليست مختصة بكوكب من الكواكب بل الكل فيها مشترك بسبب حركة فلك (١) لا يختص بكوكب فالحركة ليست كالصادرة منه فأطلق على (٢) اسم الفاعل لأنه لا يستلزم صدور الفعل يقال : فلان خيّاط وإن لم يكن يخيط. فإن قيل : قوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) يدل على أن الليل سابق.
فالجواب : أن المراد من الليل ها هنا سلطان الليل وهو القمر ولا يسبق الشمس بالحركة اليوميّة السريعة والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر فكأنه طالبه.
فإن قيل : قد ذكر ههنا سابق (النهار) (٣) وقال هناك يطلبه ولم يقل طالبه.
فالجواب : لما بينا (٤) (من) (٥) أن المراد في هذه السورة من الليل كواكب الليل وحركاتها بحركة (٦) الفلك فكأنها لا حركة لها فلا سبق ولا من شأنها أنها سابقة والمراد هناك نفس الليل والنهار وهما زمانان لا قرار لهما فهو يطلب حثيثا لصدور المنقضي (٧) منه.
فإن قيل : ما الحكمة في إطلاق الليل وإرادة سلطانه وهو القمر وماذا يكون لو قال : ولا القمر سابق الشّمس.
فالجواب : لو قال ولا القمر سابق الشمس ما كان يفهم أن الإشارة إلى الحركة اليومية فكان يتوهم المناقض بأن الشمس إذا كانت لا تدرك القمر فالقمر أسرع ظاهرا وإذا قال : ولا القمر سابق يظن أن القمر لا يسبق فليس بأسرع فقال اللّيل والنهار ليعلم أن الإشارة إلى الحركة التي بها تتم الدورة في يوم وليلة مرة وأن جميع الكواكب لها طلوع وغروب في اللّيل والنهار (٨).
قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) قرأ عمارة (٩) بنصب «النّهار» (١٠) حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
__________________
(١) في «ب» تلك. اسم إشارة.
(٢) في «ب» عليه.
(٣) سقط من «ب».
(٤) في «ب» لما بين.
(٥) سقط من «ب».
(٦) في «ب» بحركات.
(٧) في الرازي التّقصّي وفي «ب» المقتضي. وانظر : تفسير الإمام الفخر ٢٦ / ٧٣ و ٧٤.
(٨) تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٧٣ و ٧٤.
(٩) لم أجده في مرجع من مراجع تراجم القراء وقد ترجم له الخطيب في التاريخ : «عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير من شعراء الدولة العباسية وكان النحويون يأخذون عنه». تاريخ بغداد ١٢ / ٢٨٢ و ٢٨٣ ، والأغاني ٢٠ / ١٨٣.
(١٠) مختصر ابن خالويه ١٢٥ والمحتسب ٢ / ٨١ وانظر : الخصائص ١ / ١٢٥ و ٢٤٩ و ٣٧٣ و ٣١٨ وهي من الشواذ رواية وتجوز صنعا. وانظر : البحر ٧ / ٣٣٨ والسمين ٤ / ٥١٩ و ٥٢٠.