النصر مخافة أن يغلب ويذهب ماء وجهه وإنما ينصر ويغيث من كان من شأنه أن يغيث فقال : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) وأما من لا يكون من شأنه أن ينقذ إذا رأى من يعين (١) عليه في نصره يشرع في الإنقاذ وإن لم يثق من نفسه في الإنقاذ ولا يغلب على ظنه وإنما يبذل المجهود فقال : (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) ولم يقل : ولا منقذ لهم ، ثم استثنى وقال : (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) وهو يفيد أمرين :
أحدهما : انقسام الإنقاذ إلى قسمين : الرحمة والمتاع أي فمن علم أنه يؤمن (٢) فينقذه الله رحمة وفيمن علم أنه لا يؤمن فليمتنع (٣) زمانا ويزداد إثمه.
وثانيهما : أنه بيان لكون الإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزّوال في الدنيا لا بدّ منه ، فينقذه رحمة ويمتعه إلى حين ثم يميته فإذن الزوال لازم أن يقع. قال ابن عباس المراد «بالحين» انقضاء آجالهم يعني (إلّا) (٤) أن يرحمهم ويمتعهم إلى حين آجالهم.
قوله : (إِلَّا رَحْمَةً) منصوب على المفعول (٥) له وهو استثناء (٦) مفرغ ، وقيل : استثناء (٧) منقطع وقيل : على المصدر بفعل مقدّر ، أو على إسقاط الخافض أي إلا برحمة (٨) ، والفاء في قوله : (فَلا صَرِيخَ) رابطة لهذه الجملة بما قبلها (٩) ؛ فالضمير في «لهم» عائد على «المغرقين» (١٠). وجوز ابن عطية هذا ووجها آخر وجعله أحسن منه وهو أن يكون استئناف إخبار عن المسافرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين هم بهذه الحالة لا نجاة لهم إلّا برحمة الله وليس قوله : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) مربوطا بالمغرقين انتهى (١١).
وليس جعله هذا الأحسن بالحسن لئلا تخرج الفاء عن موضوعها والكلام عن التئامه (١٢).
__________________
(١) في الرازي : من يعز عليه في ضر.
(٢) في «ب» مؤمن ينقذه.
(٣) في «ب» فليمتع.
(٤) سقط من «ب» وانظر : الرازي ٢٦ / ٨٢ وزاد المسير ٧ / ٢٢.
(٥) التبيان ١٠٨٣ والبيان ٢ / ٢٩٧ وتأويل المشكل ٢ / ٢٢٨ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٩ والإعراب للنحاس ٣ / ٣٩٧ والدر المصون ٤ / ٥١٥.
(٦) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣٩.
(٧) لم يحدده الكسائي ونقل هذا الرأي أبو البقاء في التبيان ١٠٨٤.
(٨) في «ب» رحمة وهذا تحريف غير مقصود. وقد ذكر هذين الوجهين العكبري في التبيان ١٠٨٣ و ١٠٨٤ والأنباري في البيان ٢ / ٢٩٧ ومكي في مشكل الإعراب ٢ / ٢٢٨ والسمين في الدر ٤ / ٥٢١ ومعنى قول الكشاف أنه منصوب على المفعول له. انظره ٣ / ٣٢٤.
(٩) الدر المصون ٤ / ٥٢١ والبحر ٧ / ٣٣٩.
(١٠) السمين ٤ / ٥٢١.
(١١) المرجعان السابقان.
(١٢) هذا معنى كلام أبي حيان على ابن عطية معترضا عليه كعادته قال : «وليس بحسن ولا أحسن».