أحدهما : أنها مستأنفة إما من قول الله تعالى ، أو من قول الملائكة ، أو من قول المؤمنين للكفار(١).
الثاني : أنها من كلام الكفار فيكون في محلّ نصب بالقول (٢).
والثاني من الوجهين الأولين : (أن) (٣) «هذا» صفة «لمرقدنا» و (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) منقطع عما قبله (٤) ، ثم في «ما» وجهان :
أحدهما : أنها في محل رفع بالابتداء والخبر مقدر أي الذي وعده الرحمن وصدق فيه المرسلون حق عليكم (٥). وإليه ذهب الزجاج والزمخشري (٦).
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا وعد (٧) الرحمن ، وقد تقدم في أول الكهف أن حفصا يقف على «مرقدنا» وقفة لطيفة دون قطع نفس لئلا يتوهم أن اسم الإشارة تابع ل «مرقدنا». وهذان الوجهان يقويان ذلك المعنى المذكور الذي تعمد الوقف لأجله (٨) ، و «ما» يصحّ أن تكون موصولة اسمية أو حرفية كما تقدم (٩). ومفعولا الوعد والصدق محذوفان أي وعدناه الرّحمن وصدقناه المرسلون (١٠) ، والأصل «صدقنا فيه» ويجوز حذف الخافض وقد تقدم ذلك نحو : صدقني سنّ بكر (ه) (١١) أي في سنه (١٢).
قوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) تقدمت قراءتا : (صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٥٣] نصبا ورفعا أي ما كانت النفخة إلا صيحة واحدة ، ويدل على النفخة قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ). ويحتمل أن يقال : إنها كانت الواقعة وقرئت الصيحة مرفوعة على أن «كان» هي التامة (١٣) بمعنى «ما وقعت إلا صيحة» قال الزمخشري : لو كان كذلك لكان الأحسن أن
__________________
(١) نقله مكي في المشكل ٢ / ٢٣٠ والسمين في الدر ٤ / ٥٢٤.
(٢) وهو قالوا من : «قالُوا يا وَيْلَنا».
(٣) زيادة للسياق وتنسيقه.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) ذهب أبو البقاء إليه في التبيان ١٠٨٤ أيضا ومكي في المشكل ٢ / ٢٣٠.
(٦) الكشاف ٣ / ٣٢٦ ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٩١.
(٧) ذهب إليه مكي في المشكل ٢ / ٢٣٠ والفراء في المعاني ٢ / ٣٨٠ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٩٨ والتبيان ١٠٨٣ و ١٠٨٤ وذكره أيضا الزجاج في المعاني ٤ / ٢٩١ والكشاف ٣ / ٣٢٦ والقرطبي ١٥ / ٤٢.
(٨) المؤلف في الكهف كان يتحدث عن قوله :«وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً» وأشار إلى السكتة اللطيفة على ألف «عوجا» فذكر هناك «مرقدنا» فالشيء بالشيء ذكر. وانظر : اللباب ٣ / ٤٩٧ ب والإتحاف ٢٨٧.
(٩) المراجع السابقة.
(١٠) الدر المصون ٤ / ٥٢٤ و ٥٢٥.
(١١) سقطت من ب.
(١٢) المختار أن الجار لا يحذف ويبقى عمله اختيارا وإن وقع فضرورة كقوله : ... أشارت كليب بالأكفّ الأصابع إلا مع «كم ، أو «رب» بعد الفاء والواو العاطفة كثيرا. وقيل خلاف ذلك. انظر : الهمع ٢ / ٣٧ و ٣٦.
(١٣) وهي التي تكتفي بمرفوع على أنه فاعل أو نائبه كقوله عزوجل :«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ». وهذا رأي الإمام الرازي في أن «كان» هي التامة.