الأول : تولّيه عن المقصد وخديعته (١) فالشيطان يأمر البعض بترك عبادة الله وبعبادة غيره فهو توليه فإن لم يقدر يحيد (٢) بأمر غير ذلك من رياسة وجاه وغيرهما وهو يفضي إلى التولية لأن مقصوده لو حصل لترك الله وأقبل على ذلك الغير فتحصل (٣) التولية. ثم قال : (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس. ويقال لهم لما دنوا من النار : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها في الدنيا (٤)(اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) أي ادخلوها (٥) اليوم (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). وفي هذا الكلام ما يوجب شدة ندامتهم وحزنهم من ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله تعالى : (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) أمر تنكيل وإهانة كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩].
الثاني : قوله : «اليوم» يعني العذاب حاضر ولذاتك قد مضت وبقي اليوم العذاب.
الثالث : قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) فإن الكفر والكفران ينبىء عن نعمة كانت فكفر بها وحياء الكفور من المنعم من أشدّ الآلام كما قيل : أليس الله بكاف لذي همّة حياء المسيء من المحسن(٦).
قوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ) اليوم ظرف لما بعده. وقرىء يختم (٧) مبنيا للمفعول. والجار بعده قائم مقام فاعله. وقرىء : «وتتكلم» (٨) بتاءين من فوق. وقرىء ولتتكلّم ولتشهد بلام الأمر. وقرأ (٩) طلحة ولتكلّمنا ولتشهد بلام كي ناصبة للفعل ومتعلقها محذوف أي للتكلم وللشهادة ختمنا (١٠). و (بِما كانُوا) أي بالذي كانوا أو بكونهم كاسبين (١١).
__________________
(١) كذا في النسختين. وفي الرازي : وصد عنه.
(٢) كذا في النسختين. وفي الرازي : فإن لم يقدر يأمره بعبادة الله لأمر غير الله.
(٣) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ١٠٠.
(٤) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٢.
(٥) السابق.
(٦) الرازي ٢٦ / ١٠١ وفي الرازي لذي نعمة ، وانظر هذه الحكمة من خلال هذا البيت الشعري في السراج المنير للخطيب الشربيني ٣ / ٣٥٩.
(٧) لم يذكر أبو حيان من قرأ بها وكذلك تلميذه شهاب الدين السمين انظر : البحر ٧ / ٣٤٤ والدر المصون ٤ / ٥٣٠ وانظر الكشاف ٣ / ٣٢٨.
(٨) المراجع السابقة
(٩) المراجع السابقة البحر والسمين والدر والكشاف وانظر : شواذ القرآن ٢٠٤.
(١٠) البحر والدر المرجعان السابقان.
(١١) الدر المصون ٤ / ٥٣١.