الجواب عن قول من يقول : إنّ النبي ذكر بيت شعر وهو قوله :
٤١٨٧ ـ أنا النّبيّ لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطّلب (١) |
أو بيتين لأنا نقول : ذلك ليس بشعر لعدم قصده إلى الوزن والقافية وعلى هذا لو صدر من النبي ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ كلام كثير موزون مقفّى لا يكون شعرا لعدم قصده اللفظ قصدا أوليّا ، ويؤيد ما ذكرنا أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزونا واقعا في بحر من بحور الشعر ولا يسمى المتكلم به شاعرا ولا الكلام شعرا لفقد القصد إلى اللفظ أولا.
فصل
وجه الترتيب ما تقدم من أنه تعالى في كل موضع ذكر أصلين من الأصول الثلاثة وهي الوحدانية والرسالة والحشر ذكر الأصل الثالث منها وههنا ذكر أصلين الوحدانية والحشر. أما الوحدانية ففي قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) وفي قوله : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) وأما الحشر ففي قوله تعالى : (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) وبقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ (عَلى أَفْواهِهِمْ) إلى غير ذلك فلما ذكرهما وبينهما (٢) ذكر الأصل الثالث وهو الرسالة فقال : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ).
فقوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) إشارة إلى أنه معلم من عند الله فعلمه ما أراد ولم يعلّمه ما لم يرد.
فإن قيل : لم خص الشعر بنفي التعليم مع أن الكفار كانوا ينسبون إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أشياء من جملتها السحر ، والكهانة ولم يقل : وما علمناه السّحر وما علمناه الكهانة؟
فالجواب : أما الكهانة فكانوا ينسبون النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إليها عند ما كان يخبر عن الغيوب ويكون كما يقول. وأما السحر فكانوا ينسبونه إليه عند ما كان يفعل ما لا يقدر عليه (٣) الغير كشقّ القمر ، وتكلم الحجر ، والجذع وغير ذلك ، وأما الشعر فكانوا ينسبونه إليه عند ما كان يتلو القرآن عليهم لكنه ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ ما كان يتحدّى إلا بالقرآن كما قال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] إلى غير ذلك ولم يقل : إن كنتم في شك من رسالتي فاقطعوا (٤) الجذوع أو أشبعوا الخلق العظيم أو أخبروا الغيوب فلما كان تحديه عليه (الصلاة و) السلام بالكلام وكانوا
__________________
(١) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ١٠٥ و ١٠٤.
(٢) في ب ذكرهما وبينه.
(٣) وانظر هذا كله في تفسير العلامة الفخر الرازي ٢٦ / ١٠٥ و ١٠٤ وانظر : القرطبي ١٥ / ٥١ و ٥٢ ومعالم التنزيل ٦ / ١٥ ولباب التأويل ٦ / ١٥ أيضا.
(٤) كذا في النسختين. وفي تفسير الرازي : بدل «فاقطعوا» فأنطقوا.