قوله : (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) قرأ العامة مكرمون خفيفة الراء. و (ابن) (١) مقسم بتشديدها (٢). والمعنى وهم مكرّمون بثواب الله في جنات النعيم لما ذكر مأكولهم ذكر مسكنهم. وقوله (فِي جَنَّاتِ) يجوز أن يتعلق «بمكرمون» وأن يكون خيرا ثانيا وأن يكون حالا (٣).
قوله : (عَلى سُرُرٍ) العامة على ضم الراء. وأبو السّمّال بفتحها (٤). وهي لغة بعض كلب (٥) ، وتميم يفتحون عين «فعل» جمعا إذا كان اسما مضاعفا. وأما الصفة نحو : ذلل ففيها خلاف. والصحيح أنه لا يجوز لأنّ السماع ورد في الجوامد دون الصفات (٦). و (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) حال ، ويجوز أن يتعلق (عَلى سُرُرٍ) بمتقابلين و «يطاف» صفة «لمكرمون» أو حال من الضمير في : «متقابلين» أو من الضمير في أحد الجارّين إذا جعلناه حالا (٧).
ومعنى متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض (٨) ، ولما ذكر المأكل والمسكن ذكر بعده صفة المشرب فقال : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ). والكأس من الزجاج ما دام فيها شراب وإلا فهو قدح. وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو مجاز سائغ (٩) وأنشد :
٤١٩٣ ـ وكأس شربت على لذّة |
|
وأخرى تداويت منها بها (١٠) |
و (مِنْ مَعِينٍ) صفة «لكأس» (١١). والمعين معناه الخمر الجارية في الأنهار ، أي ظاهرة تراها العيون وتقدم الكلام في معين (١٢). وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي
__________________
(١) تصحيح على النسختين ففيهما أبو. والصحيح ما أثبت أعلى ، محمد بن الحسين بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن مقسم أبو بكر البغدادي الإمام المقرىء النحوي أخذ عن إدريس بن عبد الكريم وداود بن سليمان روى عنه ابن مهران وغيره. مات سنة ٣٥٤ ه ، الغاية ٢ / ١٢٣ : ١٢٥.
(٢) نقلها أبو حيان في بحره ٧ / ٣٥٩ وكذلك صاحب التبيان ١٠٨٩ ولكن بدون عزو.
(٣) ذكر الأوجه الثلاثة العكبري في تبيانه ١٠٨٩ كما ذكرها صاحب الدر ٤ / ٥٤٧.
(٤) ذكرها أبو حيان والسمين المرجعان السابقان.
(٥) البحر المرجع السابق.
(٦) المرجعان السابقان. وانظر المجاز لأبي عبيدة ٢ / ١٦٩ وشرح الشافية للإمام الرضي ٢ / ١٣١ و ١٣٢.
(٧) ذكر هذه الأوجه كلها أيضا العكبري في التبيان وزادها إيضاحا وكثرة السمين في الدر ٤ / ٥٤٧.
(٨) قاله أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٠٣ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٨ والكشاف ٣ / ٣٤٠.
(٩) قاله الرازي ٢٦ / ١٣٧ والنحاس في الإعراب ٣ / ٤١٩ والزجاج في المعاني ٤ / ٣٠٣.
(١٠) البيت من المتقارب وهو للأعشى ميمون وقد ذكره الرازي في ٢٦ / ١٣٧ والبحر في ٧ / ٣٥٩ ، والبيضاوي ٢ / ٥٦ والزمخشري في ٣ / ٣٤٠ وشرح شواهده ٥٦١ وديوانه ٢٤ دار صادر بيروت.
(١١) قاله السمين ٤ / ٥٤٨.
(١٢) عند قوله : «وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ» ، [المؤمنون : ٥٠] وقال هناك المعين الماء الظاهر الجاري ولنا أن نجعل ميمها أصلية ونجعلها فعيلا من الماعون أو مفعولا من العيون وانظر : اللباب ميكروفيلم.